رغم حبي للرياضة، مشاهدة وممارسة، إلا أنني لم أكتب قط عن عالم الرياضة والكرة لاعتبارات، منها أن الرياضة صحة ومتعة وليست مجالا للكتابة والتأليف والإغراق الإعلامي وحروبها المستعرة، غير أن مقال اليوم فيه جرعة رياضية يسيرة.

في أمسية رمضانية شاهدت جزءا من حديث للكابتن سامي الجابر على قناة روتانا، والذي تناول الناس حديثه على نطاق واسع، خاصة في جزئية الفقر، والذي انقلب الناس عليه من شرائح مختلفة، منها الرياضية ومنها المناطقية.

المخالف للجابر في الميول الرياضية ربما -إن لم يكن جزما- يسعد بأي جملة أو لفظ يطيح بشخصه، ويبدأ من خلاله تشكيل حملة شعبية وتعبئة للرأي العام بغض النظر عن صدق التهمة من عدمها، إلا أنني لن أنحو هذا النحو لأمانة الكلمة رغم اختلاف ميولي الرياضية مع الجابر، وسأتحدث فقط عن الجانب الاجتماعي مثار الجدل في لقائه.


صحيح أن الإشارة في لقائه إلى المنطقتين الغاليتين على قلوبنا ما كان له ذلك والأولى -بل من أبجديات الحوارات الإعلامية- تجنب ذكر عين المناطق والقبائل والهيئات كما هو الحال في تجنب عين الأشخاص.

ما لفت نظري هو تذمر الناس من لفظ «الفقر» وكأنها تهمة دنيئة ومعيبة أو جنحة يتبرأ منها الإنسان. شاهدت وسمعت وقرأت الكثير من ردود الأفعال التي تتحدث عن نفي الفقر والتذمر من هذا الوصف. كأن المتحدثين والمغردين من المنطقتين يفاخرون بالأغنياء في مجتمعاتهم ويتباهون بالأجزاء الطبيعية الغنية في بلادهم، ويزهون بالأسماء التجارية والمنشآت الصناعية والنفطية هنا وهناك لدحض تهمة الفقر من حدودهم وكأنه خطيئة جديرة بالرجم.

لسنا دعاة إلى الفقر ولا يوجد أحد يحب أن يكون فقيرا، غير أن دفع تهمة الفقر في مجتمعاتنا والتبرأ منه وكأنه آفة أو فيروس معد أمر غريب جدا، وقد ظننت أننا تجاوزنا هذه المرحلة حتى ظهر هذا اللقاء «الجابري».

مجتمعنا عاش مرحلة كبيرة في الفقر قبل نشوء الدولة السعودية واستمر حتى قيض الله النفط، لكن بقي الفقر موجودا في ماضينا واستمر في حاضرنا. يوجد الفقر والأسر الفقيرة في بلادنا وفي كل بلاد العالم ولا يمكن القضاء عليه مهما حصل، وقد يكون في بقائه حكمة إلهية للبذل والعطاء والصدقة والتراحم وغيرها.

إن تنمية الأوطان وبناء حضارتها لا تتم دون وجود طبقة عاملة، لو تركت العمل لعانى الطرفان؛ الأوطان والأفراد العاملون، ولواجهوا الفقر وما تحت خط الفقر. إن الحاجة والحرمان فيهما ما فيهما من تحفيز للعمل والبناء، ولولا إدراك هذا الأمر ومشاهدة لنماذج بشرية عانت الخصاصة وشظف العيش لما باشرت عملها في خدمة الآخر أفرادا وهيئات.

يصعب القضاء على الفقر في المجتمعات حتى في الدول المتقدمة، فإحصائية معدل الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية سجلت 13.9% بحسب موقع cnbc في 12/‏‏9/‏‏2017 وهناك 14 مليون شخص في المملكة المتحدة يعيشون في فقر بحسب صحيفة الشرق الأوسط 07 فبراير 2020.

وبحسب الاقتصادية 22 أبريل 2017 تشير التقارير الأوروبية إلى أن نسبة الفقر في دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى 17%، حيث يصل تعداد الفقراء في الدول الصناعية الكبرى إلى 300 مليون إنسان.

{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.