هي دعوة الوالدة حين أغضبتُها ذات طفولة، رفعت يديها للسماء وقالت بصوتٍ غاضب: "اللهم وأنت تعلم أن هذا الشقي قد أساء السلوك فاجعله (مفكرا) "، سمع والدي حينها ذلك فحاول ثنيها عن دعوتها الماحقة لكنها استطردت بإيمان ما زلت أذكره: "اللهم اجعله مفكرا لا يهتم لأمره أحد، وتنصب له المحاضرات ولا يحضرها إلا ابنه الذي جاء به، وطالب إعلام تحت التجربة يعد تقريرا صحفيا ليختبره به مسؤول تحرير الصفحة الثقافية، يا قادر اجعل ندوته تقام بوقت مباراة بين فريقين كسيحين من الدرجة الثانية تشد لهما رحال الناس ليتركوه مع مايكروفونه وحيدا، يا عزيز زد من ندرة نوعه وغربته بمجتمعه حتى يستوقفه أحد المارة متسائلا: أتعرف فهيد عايش؟ فيجيب بوجه ممتلئ بالخيبة: لا.. فيرد عليه: يا سبحان الله أنت تشبهه، كنت أعتقدك هو.. نفس ملامح الوجه الميتة، تزاملنا بوظيفة "هتيّف"، كنا نصرخ خلف النوق أيام اختيار ملكة جمالهن، كانت أياما لا تنساها الذاكرة، فرصة سعيدة يا أخ على أي حال.. يا جبار دعه يتحدث في حين يتهامس من بجانبه قائلين: ما الذي يقوله هذا الثرثار؟ هل فهمت شيئا؟ يبدو أن هذا الرجل - تبارك الله - يتحدث لغة الماندرين، فيسمعهم ثم يختتم كلمته على عجل، موليا وجهه شطر بيته لينام على وسادة الخيبة قبل أن تطبطب عليه زوجته قائلة: ألم يكن من الأفضل لنا لو كنت متسابقا بتجمع العرب النادر لاختيار المواهب، أو مجربا لحظك المائل بالأسهم.. لقد تعبت من احتوائك كل ليلة، ليت كتبك تساعدني.. المهم سأنام، بالمناسبة غدا احتاج مالا للذهاب للسوق، تصبح على خير، يا مصرف الأمور ادفع صبية الحيّ لملاحقته حين خروجه منشدين: "المفكر أهوه.. المفكر أهوه"..
* جزء من مذكرات المفكر السعودي: مطلق الدولكه، رئيس جمعية حماية سلالة المفكرين السعوديين النادرة.