خلال 75 يوماً مضت، ظلت أكف المصلين متضرعة ومرفوعة إلى الله عز وجل تدعوه بأن يعجل بالفرج وأن يزيل الغمة وأن يمكنهم من العودة لأداء الصلاة في المساجد، وأن يمكنهم قريباً من الشعور بالطمأنينة والراحة في بيوت الله أثناء إقامتهم للصلاة، وهذا ما تحقق ولله الحمد بعد صدور الأمر السامي رقم 54867 في 1441/10/2 المتضمن رفع إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض مع الأخذ بالبروتوكولات الصحية الصادرة من الجهات المختصة اعتبارا من فجر الأحد الموافق للثامن من شهر شوال عدا المساجد في مدينة مكة المكرمة.

وجاءت هذه البشرى بعد أن تم منع الصلاة في المساجد في ظروف استثنائية طارئة ضمن عدد من الإجراءات لمنع تفشي وباء كورونا، حيث أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (247) في 1441/7/22 بحظر الصلاة في المساجد وذلك في إطار جهود احتواء وباء كورونا، واستثنت من ذلك الحرمين الشريفين، بعد اطلاع الهيئة في جلستهم في حينه على ما يتعلق بجائحة كورونا وسرعة انتشارها وكثرة الوفيات بها واطلعت على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة المشمولة بإيضاح وزير الصحة لدى حضوره في تلك الجلسة التي أكدت على خطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدد أرواحهم وما بينه وزير الصحة من أنه ما لم تكن هناك تدابير احترازية شاملة دون استثناء فإن الخطورة ستكون متضاعفة، مبيناً أن التجمعات تعتبر السبب الرئيسي في انتقال العدوى. وبعد استعراض الهيئة للنصوص الشرعية من الآيات والأحاديث وما قررته الشريعة فقد وجهت بإيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان، ويستثنى من ذلك الحرمان الشريفان، وقد بقيت أبواب المساجد مغلقة مؤقتاً مع رفع شعيرة الأذان كل وقت في المساجد، مع إيراد المؤذنين لجملة صلوا في بيوتكم كما ورد في الحديث.

ومع أنّه كان مؤلماً أن يغيب المصلون عن مساجدهم، وأن تعلق الجمعة والجماعات، ولم يكن أحد يتوقع أن تقتضي الضرورة ذلك المنع إلاّ أن حياة الإنسان تبقى هي الأهم، وكان من الضرورة أن نتعامل بوعي، وأن تقوم الأجهزة المعنية بأدوارها وأن يلتزم الناس بما تمليه الضرورة. وأبدى الجميع تقيدهم التام بما صدر في حينه من توجيهات وقائية احترازية، وأبدوا تعاونهم التام، آخذين بكل الأسباب التي أمر بها الشرع ووجهت بها الجهات المعنية.


وبعد هذا الانفراج وصدور الأمر السامي برفع الإيقاف للصلاة فقد وجه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ بفتح المساجد وعددها نحو 90 ألف مسجد، قبل الأذان بـ15 دقيقة وإغلاقها بعد الصلاة بـ10 دقائق، والإبقاء على تقليل مدة الانتظار بين الأذان والإقامة إلى 10 دقائق، وفتح النوافذ والأبواب من دخول الوقت إلى نهاية الصلاة، ورفع المصاحف والكتب مؤقتاً، وإلزام المصلين بترك مسافة بمقدار مترين بين كل مصلٍ وآخر وترك فراغ بمقدار صف بين كل صفين، وإغلاق جميع برادات وثلاجات المياه، وعدم السماح بتوزيع المياه أو المأكولات في المسجد أو أي شيء آخر من طيب أو سواك، وإغلاق دورات المياه وأماكن الوضوء.

وفي ما يتعلق بصلاة الجمعة فقد وجّه آل الشيخ أيضا بإقامة صلاة الجمعة مؤقتاً في المساجد القريبة من الجوامع المزدحمة بالمصلين والمهيأة لإقامة صلاة الجمعة فيها، وأن يكون الأذان الأول قبل دخول الوقت بـ20 دقيقة، مع فتح الجوامع قبل صلاة الجمعة بـ20 دقيقة وإغلاقها بعد الصلاة بـ20 دقيقة، وألا تتجاوز خطبة الجمعة مع الصلاة 15 دقيقة، كما وجه آل الشيخ بالإبقاء على تعليق الدروس العلمية والبرامج الدعوية والمحاضرات، وكذلك حلقات التحفيظ في المساجد. وأوصت وزارة الشؤون الإسلامية بالالتزام بعدد من الإجراءات الاحترازية تمثلت في غسل اليدين جيدا أو استعمال المعقمات قبل الحضور إلى المسجد وبعده، وأداء كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة للصلاة في المنازل، والقراءة من المصحف الإلكتروني بالجوال أو إحضار المصحف الخاص، وإحضار السجادة الخاصة وعدم تركها بعد الصلاة، وإبقاء مسافة لا تقل عن مترين بين كل مصلٍ وآخر، مع عدم اصطحاب الأطفال أقل من 15 عاماً، ولبس الكمامة القماشية، والوضوء في المنزل، وتجنب المصافحة، وعدم التزاحم عند دخول المساجد أو الخروج منها. من جانب آخر أشار المتخصص في علم الاجتماع سعد الشمراني إلى أنه على الرغم من تعلق الكثيرين من أبناء المجتمع بالمساجد وما يشكله أداء الصلاة في المساجد من روحانية واطمئنان لهم إلاّ أن استشعارهم ليسر الدين الحنيف وبأنّ من منعه العذر عن صلاة الجمعة والجماعة في المسجد فإن أجره تام قد خفف من وطأة هذا الابتعاد طوال هذه الفترة.