أشعر دائماً أن العاطفة السلبية والحماسة المتأججة هي التي أضاعت حقوق العرب وشتتت جهودهم، صرخة تجمعهم ثم صرخة تفرقهم، كلمة ماكرة تلعب بعقولهم وكلمة أخرى تطيش بثباتهم، ومن هذا المنظور العاطفي وقعت أكثر الأزمات لا لشيء إلا لعدم تحكيمهم للعقل وتغليبهم للمصالح.

هاهي القضية الفلسطينية تراوح مكانها منذ عقود عديدة لا تتقدم بقدر ما تتأخر ولا يحقق العرب في مجالها مكاسب بل تزيد الخسائر، وكان الأحرى بهم لو وحدوا آراءهم وحكموا عقولهم واختاروا القبول بعروض الحل التي بدأت بفكرة التقسيم ثم مشروع السلام العربي والعودة إلى حدود ما قبل 67 م وعودة اللاجئين، لكن المزايدة والتكسب من قبل بعض الزعماء العرب جعل قضية فلسطين كـ "قميص عثمان" يرفع كلما احتدم الوطيس في ساحات الجدل ولا رابح في النهاية.

كان لدينا عدو واحد، وقضية واحده، لكن الضعف والخور واللجلجة التي أظهرها العرب في حلحلة قضاياهم؛ أسهمت في تشجيع ومنح غيرهم الجرأة على النيل منهم.

كان العرب مهمومين بإسرائيل، أي بعدو واحد يتفقون كلهم على عداوته ولم يفعلوا - رغم الاتفاق على عداوته - شيئاً ولم يستخلصوا منه شروى نقير.

حتى جاءهم عدو آخر وهو إيران لكن عدوهم هذه المرة عدو شاطر.. وماكر.. متقلب.. متطلب.. يمارس "التقيه" السياسية بمهارة تنال من وحدة الصف وتشقه إلى محايد.. ومؤيد.. ومعارض، إنه العدو الأصعب لأنه يلعب ـ كما يقال ـ بالبيضة والحجر، يدخل إلى العاطفة العربية من باب الأخوة الإسلامية مرة، ويتسلل مرة أخرى عبر معاداة الشيطان الأكبر، ومواجهة الإمبريالية والتصدي للاستكبار العالمي.. يدغدغ الأحاسيس العربية بشتم إسرائيل وتهديدها ورفع قميص القضية الفلسطينية، في نفس الوقت الذي يقوم فيه باحتلال الأراضي العربية والتهامها بوضع اليد عليها حتى تتحول - بفعل التقادم -إلى قضية منسية.. هل تتذكرون الأهواز؟!

حتى الكتبة وبياعو الكلام من العرب استكثروا على الأهواز، أن يسكبوا حيالها "قارورة" حبر؟ أو يختصوها بـشريط مسجل فيه تنديد وتهديد ووعيد؟! لقد استكثروا عليها في جامعتهم العريقة الحبر والخطاب وذلك أضعف الكلام!

مع أنهم قد سودوا الصفحات وملؤوا أضابير المنظمات الإقليمية والدولية، القديمة والحديثة، الباقية والمنقرضة بالملفات والقرارات والكتابات والخطابات والبكاء والدموع على قضية فلسطين لكنهم كمن يحرث البحر أو يطارد السراب.

وهاهي إيران تسعى في احتلالها لجزر الإمارات العربية إلى تثبيت الأمر الواقع، لكن دول مجلس التعاون الخليجي تتبنى في موقف موحد ومشهود المواجهة الدبلوماسية وإقلاق إيران وتحذيرها بأن عدم التوصل إلى حل هذا النزاع يمس الأمن والسلم الدوليين.

عندما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل أسبوع جزيرة أبو موسى المحتلة لم يكن مكترثاً ولا مباليا بردة الفعل العربية.. وإليك وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي يصرح بأن "حكمنا لهذه الجزر غير قابل للتفاوض وسيادة إيران على هذه الجزر مؤكده وموثقه"!!

إنه نفس منطق ولغة وفعل المسؤؤلين الإسرائيليين، فأين الحمية العربية تجاه الأهواز وجزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى؟

أين الانتحاريون؟

أين الاستشهاديون؟

أين الجهاديون؟

أين "ضراغم" القاعدة الذين أبلوا بلاءً حسناً في قتل إخوانهم من المسلمين أو المعاهدين؟

أين أشاوس البعث لا يقولون شيئاً تجاه هذا العدو بعد أن كان شعارهم الأثير "أمة عربية واحدة ..ذات رسالة خالده!!"؟

أين غلاة الاشتراكيين والشيوعيين؟

وأين ذوو الصمود والتصدي؟

وأين القوميون العرب ليقولوا شيئاً عن هذا الفارسي الماكر؟

لكن الأخشى عندي أن يكون كل هؤلاء في صفه ومنحازين إليه!!

سيبقى على العرب لكي يكون لهم شأن واعتبار أن ينبذوا عواطفهم ويحكموا عقولهم ويتدبروا مصالحهم ليكون لهم عند الآخر حساب ومهابة.

أما إيران وقضية الجزر، فبحسب توجه الإمارات وصمودها مع أشقائها في دول مجلس التعاون فإنها تتصرف في قضية الجزر المحتلة بحسب مد الاعتراض وجزره من حيث القوه والتماسك والتأييد الأممي ومن هنا يكمن الفعل ورده.