بات من السهل معرفة جودة الخدمات المقدمة من القطاعات المختلفة، ومن ضمنها الحكومية في عصر نُفِض الغبار به عن صندوق الاقتراحات والشكاوى وتم تحويله إلى أخرى إلكترونية وتفاعلية.

أصبح قياس رضا المواطنين عن الخدمات من أسهل المهام، فكل ما على المسؤول زيارة المواقع الإلكترونية للصحف المحلية وقراءة تعليقات القراء على أخبار وزارته، ومن ثم ينتقل لمواقع التواصل الاجتماعي ليحصل على صورة واضحة عن مدى جودة خدماتها. هذه الصورة غالبا ما تغيب عن المسؤول ليطالعنا بتصريح ناري عند حدوث كارثة خدماتية بأن فريق عمله لم يطالعه بهذه الشكاوى وكأننا ما زلنا في القرن الماضي أو لعلها لم تأت مكتوبة في معروض. مسلسل عدم رضا المواطنين عن بعض الخدمات مستمر حتى إنه تم إنشاء موقع إلكتروني اسمه شكوى لتحل وزارة الصحة في المرتبة الرابعة على قائمة أكثر الجهات المشتكى منها، فكان لزاما أن ننتقل من حالة الفضفضة للخصخصة.

النظام الصحي في المملكة هو نظام صحي وطني يكفل مجانية العلاج لجميع المواطنين، حيث يتم رصد ميزانية سنوية لقطاع الصحة (وزارة الصحة والجهات الصحية الحكومية الأخرى) من الميزانية العامة للدولة ويبلغ متوسط الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة 8،7 ? من إجمالي الإنفاق الحكومي العام. أما إجمالي ما يصرف على الصحة في المملكة من إجمالي الناتج المحلي فيبلغ 3،3?، بينما تتراوح في الدول المتقدمة مابين 8 – 15?، وهذا ما اعتبرته وزارة الصحة في استراتيجيتها الوطنية أحد مواطن الضعف تحت بند محدودية الموارد المالية.

ميزانية وزارة الصحة تمثل 6? من الميزانية العامة للدولة، وهو ما تعتقد وزارة الصحة بأنه ـ وبلا شك ـ يؤثر سلبيا على تقديم خدماتها بالمستوى المطلوب الذي يرضي الجمهور عنها، خصوصا مع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية عالميا، ومع أن هذا التأكيد من قبل الوزارة المذكور في استراتيجيتها الوطنية 1431 – 1440 هـ لم يتم دعمه بدراسة وأرقام تربط بين معدل الإنفاق على الفرد ومستوى رضاه عن الخدمات، إلا أنه لا بد من الثقة في هذه الخلاصة الوزارية والانطلاق منها لإيجاد حل لأحد أهم قطاعات الدولة، وهنا يأتي دور الخصخصة المستنيرة.

خصخصة قطاع الصحة تعد أحد الحلول الجذرية لمشاكل النظام الصحي في المملكة متى ما تمت الاستفادة من تجربتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وألا ندخل جحر الضب الذي دخلوه. النظام الصحي البريطاني هو نظام صحي وطني مشابه للنظام الصحي السعودي في مجانيته، ويخالفه في النجاح المعتمد على نقطة رئيسية تكمن بأن النظام الصحي الوطني البريطاني المجاني هو نظام لا مركزي يتم الإشراف عليه من قبل وزارة الصحة كجهة تنظيمية لوضع السياسات والأنظمة بهدف تحسين نوعية الخدمات وتلبية توقعات المرضى، وهو ما لم تتم تجربته لدينا حتى اللحظة، وبالتالي لا نستطيع الجزم بأن ال 6? من ميزانية الدولة لا تكفي لقطاع الصحة ما لم تتم تجربة هيكلة مختلفة بنفس الميزانية.

أما الحل الآخر، ولعله الأجدى، فهو يكمن في خصخصة قطاع الصحة وإنشاء هيئة تنظيم لقطاع الصحة بشرط أن تقوم الدولة بدفع الـ 6? السنوية للشركات المشغلة، وألا يكون عن طريق التأمين الصحي حتى لا نقع في مأزق الولايات المتحدة الأمريكية الصحي الحالي، وينتهي بنا الحال بتأمين الأغنياء وترك الفقراء بلا خدمات صحية لعجزهم عن شراء التأمين لهم ولعوائلهم، أو تأخر صرف مخصصات التأمين الخاصة بهم من قبل الدولة، كما يحصل في تأخر صرف بعض الإعانات. هذه الخصخصة لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار الأمان الوظيفي لمنسوبي قطاع الصحة بأن يتم احتواؤهم من قبل الشركات الراغبة في تشغيل المرافق الصحية، بحيث يكون شرطا رئيسيا لا تتنازل عنه هذه الهيئة التنظيمية بأي حال من الأحوال، فإنه سيكون من السيئ تحسين خدمات الصحة مقابل زيادة نسب البطالة.

وزارة الصحة لا تستطيع تقديم الخدمات الصحية حسب آليتها الحالية في ظل مواضع الضعف العديدة التي ذكرتها بشفافية محمودة في استراتيجيتها الوطنية، ولن تستطيع التغلب عليها في القرن الحالي، ولا بد من إيجاد حل لاختصار عامل الزمن بالخصخصة، حتى يتم تحرير هذا القطاع المهم وفتح المجال لتطوير البنى التحتية ورفع الأداء وجودته وفتح باب التنافسية والارتقاء بخدمات القطاع الصحي كاملا.