المتجول في شوارع القاهرة أو حتى المدن المصرية الأخرى سيكتشف ظاهرة غريبة، وهي أسماء المحلات الغريبة والطريفة، التي تلفت الانتباه وتثير الضحك، وعلى أقل تقدير الابتسامة، على سبيل المثال لن تتمالك نفسك من الضحك عندما ترى في أحد شوارع الجيزة ، وهو شارع "الملكة" عنوانا لمحل يبيع أي شي بـجنيهين ونصف على غرار محلات أبو ريالين، اسمه "غاوي خسارة"، ومحل آخر في نفس الشارع لمحل حلاقة بعنوان "عاوز أحلق"، وفي مدينة كفر الزيات إحدى مدن الدلتا محل بقالة بعنوان "أخويا هايص وأنا لايص".
الطرافة لم تقتصر فقط على العناوين، ولكنها امتدت لأساليب التسويق والدعاية التي يستخدمها البائع، أحد محلات تسويق العقارات بحي العجمي بالإسكندرية وضع أمام محله لافتة تقول "خبر عاجل: لقد هجمت علينا الموجات الصيفية ولا بد من شقق مصيفية بعجمي إسكندرية، لذلك قمنا بهجوم مضاد للقضاء على هذه الهجمات الشرسة، وقد صرح مصدر مسؤول بشركة المهندسين المتحدين أنه يتعين حتما تحطيم الأسعار على أرض الواقع، وبناء عليه تقرر بيع الوحدات بأكبر تسهيلات وبأقل وأبسط الأسعار".
عربة متجولة لبيع مشروبات شعبية مثل السوبيا والتمر الهندي والخروب، اتخذت مكانها على رصيف بشارع رمسيس الرئيسي بالقاهرة كتب عليها صاحبها عبارات طريفة من بنات أفكاره تقول "لو داخل التوفيقية لازم تعدي عليه .. المعلم سيد الشربتلي عنده تمر هندي هدية .. حاصل على دكتوراة وزمالة كلية العطشانين بضمان المهراجا الهندي.. الشعب معاه الجندي هيشرب تمر هندي .. راحت أيام الكوبيا تعالى نشرب سوبيا .. من غير ما تحدف طوب تعالى اشرب خروب .. مش لازم قلع هدوم تعال اشرب دوم".
أستاذة علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة عين شمس الدكتورة حنان سالم تقول "يلاحظ منذ منتصف السبعينات أن عناوين المحلات تعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحدث في المجتمع، فلو مثلا نظرنا إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي التي بدأت عام 1977 وحتى 1989 نلاحظ أن عناوين المحلات تغلب عليها العناوين الأجنبية مثل "كابيلو كابيلو" وغيرها، أو المزج بين كلمة أجنبية وكلمة عربية مثل "السلام شوبنج سنتر".
وأضافت أن هذا تغير إلى حد ما في الفترة الحالية، فكانت الأسماء انعكاسا للواقع فتخلت إلى حد ما عن المسميات الأجنبية، ولجأ أصحاب المحلات إلى الأسماء العربية الطريفة مثل "آخر العنقود" و"سكر بنات"، "دلع البنات" و"حكاية" و"حدوتة"، وأدى البحث عن التميز إلى أسماء طريفة وغريبة مثل "غاوي خسارة" وغيرها..
وأشارت الدكتورة سالم إلى أن "العامل الآخر في ظهور هذه الأسماء الطريفة والغريبة هو عامل الشباب، فمعظم المحلات يديرها الشباب، وهذه المصطلحات الغريبة والطريفة جزء من مفردات الشباب، ومفردات الحياة اليومية التي يستخدمونها، الشباب يستخدمون فيما بينهم لغة خاصة بهم تسمى "الرطانة"، وهي لغة يتم تداولها بشكل خاص لا يتم فهمها من كل المحيطين .. فمثلا إذا جلست في جلسة وتكلم شابان لن تفهم ما يقولانه، هم فقط يفهمان هذه اللغة".
وانتقلت أستاذة علم الاجتماع إلى عامل آخر، وهو العامل النفسي وتقول "سيكولوجية الدعاية والإعلام تلعب دورا في اختيار مثل هذه الأسماء اللافتة والغريبة والمضحكة، فإذا اخترت عنوانا عاديا لن يلفت الانتباه، والتركيبة البشرية عامة اعتادت على أن تسير في خطين متوازيين خط الدين، باختيار أسماء ذات منحى ديني مثل "سوبر ماركت الهدى" .. أو "شركة الإيمان" .. أو "مؤسسة الغفران" أو "دار الحشمة للمحجبات" حيث يرى صاحب المحل أن هذا الاتجاه سيلقى قبولا لدى المستهلك. أما المنحى الآخر وهو المنحى التجاري الجذاب الذي يتوافق مع الشباب والفئات العمرية التي ستقبل على البضاعة".
وأوضحت الدكتورة حنان أن "نزعة الاستهلاك توجد في كل الفئات، ولكن أكثر فئة مستهلكة هي الشباب، بالإضافة إلى أن الشباب يميلون دائما إلى التجديد والتغيير، ومن سمات مرحلة الشباب النقد وعدم التسليم بمسلمات الواقع ..، فالشباب متمرد دائما يريد أن يفعل شيئا يخصه هو ..، من هنا تظهر تقليعات أو موضات أو مظاهر ثقافية لا ترتبط إلا بفئة الشباب تحديدا".
وقالت إن "الشخصية المصرية معروفة تاريخيا بالصبر، فالمصري صبور، ولكنه يملك مقومات الثورة التي تظهر في الوقت المناسب، كما يتسم بالفكاهة وإطلاق النكات، لأنه يملك روح الدعابة، والمصري إذا لم يجد شيئا يصنع حوله نكتة يمكن أن "ينكّت" عن نفسه وعن حاله، وأقوى النكات السياسية صدرت من المصريين" مشيرة إلى أن المصري أيضا لديه قدرة على التحمل، لأن الفكاهة هنا تكون نوعا من التنفيس أو تفريغ الطاقة المكبوتة.
نقطة أخرى تطرقت إليها الدكتورة حنان وهي تأثر أسماء المحلات بالأعمال الفنية، تقول "في منتصف الثمانينيات ظهرت موضة المحلات المعنونة بأسماء الأفلام والشخصيات الفنية، مثل "تيتو"، وهو فيلم لأحمد السقا، و"كابوريا" وهو فيلم لأحمد زكي، و"جابر الدالي" وهي شخصية قدمها نور الشريف، و"أخويا هايص وأنا لايص" ، وهو اسم مسرحية لسمير غانم، مشيرة إلى أن أفلام السبعينيات كان يكتبها روائيون كبار، وكان هناك أدب روائي، أما أفلام اليوم فهي مجموعة من "الإفيهات" المجمعة التي تعد منها أفلام.
وأكدت أستاذة علم الاجتماع السياسي أن العناوين في النهاية تعكس الحياة والتحولات التي حدثت في المجتمع، مرجعة العناوين البسيطة والسهلة والساخرة التي انتشرت إلى عدم وجود مشروع قومي كبير شغل المصريين في السنوات الأخيرة، عدا مشروعين قوميين كبيرين هما مستشفى سرطان الأطفال، ومستشفى الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب.