ولعدة أسباب فقد تتوجه المستشفيات لتسريع عملية الولادة بالتدخلات الطبية المختلفة، منها أنه كل ما طال بقاء المرأة في المستشفى ازدادت احتمالية إصابتها بالعدوى، ومع جائحة كورونا ازدادت حدة هذه الأمور، خاصة إذا كانت الحامل مصابة أو يحتمل كونها مصابة بالفيروس، حيث إنه قد يصاب أحد الممارسين الصحيين بالعدوى منها خلال فترة المخاض. ومن هذه الإجراءات عزل الأم عن المولود فور الولادة دون إعطائها فرصة لبدء الرضاعة الطبيعية والملامسة الجسدية، والتي هي من أساسيات لحظات ما بعد الولادة، والتي بدونها تتأثر قدرة الأم على إفراز الهرمونات التي تحتاجها لبدء سلسلة التغيرات الفيزيولوجية المطلوبة للتعافي من تجربة الولادة.. فإن فصلهما فور الولادة وإرضاع الطفل بالحليب الصناعي والتدخل في هذا الأمر تعد زيادة حرص في غير محلها، حيث إن إرشادات منظمة الصحة العالمية تقر بأنه لا ضرر من الرضاعة الطبيعية حتى وإن كانت الأم مصابة فعلا بالفيروس، طالما تتخذ التدابير اللازمة، إذ إن المنفعة المرجوة من الرضاعة الطبيعية أكثر بكثير من الضرر المحتمل من الفيروس، كالضرر النفسي على الأم وعلاقتها بمولودها.
وهناك ما يثبت أن مثل هذه الإجراءات في المستشفيات، وإن كانت بنية الحفاظ على سلامة الأم والطفل من الناحية الجسدية، فإن لها أبعادا وأضرارا نفسية يجب أن نحرص على تفاديها، لأن آثارها طويلة المدى.. فالإحصاءات العالمية تبين أن 1 من كل 5 أمهات تصاب بنوع من المشاكل النفسية خلال السنة الأولى بعد الولادة في الظروف العادية، وقد تزيد هذه الاحتمالات إن كانت الأم عانت كثيرا في عملية الولادة أو اعتبرتها سلبية، وبدون المتابعة والرعاية النفسية المناسبة قد تسبب صعوبات للأم في قدرتها على الاهتمام بنفسها وطفلها وأسرتها، وقد يؤثر على علاقتها بزوجها وعائلتها أيضا، وإن كانت موظفة فقد يؤثر ذلك على قدراتها في الأداء الوظيفي، واحتمالات الاضطرابات النفسية على الأغلب في تزايد على جميع فئات المجتمع نظير الجائحة، وفئة الحوامل والأمهات تحديدا تجب مراعاتهن بشكل خاص.لذلك فإن فكرة الولادة المنزلية لذوات الحمل المنخفض الخطورة التي تدرسها وزارة الصحة الآن من الممكن أن تكون فكرة مناسبة هنا، لأنها أولاً تبعد الأم الحامل عن بيئة المستشفى وفرص العدوى وزيادة احتمالات التدخلات الطبية، وثانيا فإن الولادة في بيتها تبعث على الهدوء والاستقرار النفسي والعاطفي مما يسهل الولادة، وثالثا يمكن للمرأة أن تأخذ وقتها ولا تستعجلها ضغوط المستشفى. كذلك من المهم جدا تمكين المرأة صحيا وتعزيز تثقيفها وهي حامل، لتزداد درايتها بالتجربة وتزيد من فرص أن تكون تجربتها في الولادة إيجابية وباعثة على الطمأنينة، وهي مقبلة على دورها المهم في الحياة كأم لهذا الطفل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من منظور الصحة العامة فإن تفشي فيروس كورونا في المجتمع حاليا يعد هو الموجة الأولى فقط، وقد نشر عدد من المقالات العلمية تحذر من موجات ثانية وثالثة ورابعة وهي: (تأثير تقليص الخدمات الصحية على الحالات المرضية التي ليس لها علاقة بكورونا)، وبعدها (التأثير على تعطيل الرعاية على ذوي الأمراض المزمنة)، وبعدها (التأثير من حيث الصدمات والأمراض النفسية والأثر الاقتصادي والاحتراق العاطفي والوظيفي)، فيجب أن نعي هذا جيدا، فننظر لها نظرة أبعد ونعمل لتفادي حدة تأثير الجائحة على صحة مجتمعنا، خاصة أن الأم هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن كانت بصحتها وعافيتها ورفاهتها الجسدية والنفسية ارتقى المجتمع بأكمله.