واحدة من المشكلات الحاضرة بقوة في الثورة السورية، هي ما تعانيه النساء من عنف، ليس بوصفهن الهدف الأكثر وحشية لأجهزة النظام السوري، ولكن بوصف النساء والأطفال دائما، هم الفئات الأكثر تضررا في حالات الحروب والعنف.

منذ أن بدأت الثورة السورية، تصاعدت عمليات القتل والاعتقال والملاحقة بحق النساء، وأُضيفت إليها في الفترة الأخيرة حالات الاغتصاب وتشويه الجثث، ورغم أن هذا الموضوع ما يزال شائكا وملتبسا، ويصعب الحديث عنه بدقة، نظرا لحساسية الأمر في واقعنا العربي، والمضاعفات الاجتماعية التي تتعرض لها النساء اللواتي يفصحن عن حالات الاغتصاب، إلا أنه من المؤكد، أن النظام السوري استخدم اغتصاب النساء الممنهج، كواحدة من أكثر الحالات بشاعة، والتي أراد من خلالها جرّ الناس والمتظاهرين إلى العنف المضاد.

هناك قصة ما يزال يذكرها الثوار في سوريا، لكنها وسط الأحداث الدامية، مرت مثل قصص كثيرة غيرها: "زينب الحسني" الفتاة الحمصية البالغة من العمر 18 عاما، والتي اختفت، وكأنها غيمة تبخرت، أو أمطرت ؟ لا نعرف حتى الآن!

بدأت قصة "زينب الحسني" من حيث انتهت، عندما استلم أهلها جثة مقطعة الأوصال، يوم 14 سبتمبر 2011 وذلك للضغط على أخيها الناشط في الثورة "محمد ديب الحسني" ليسلم نفسه، بعد أن تلقى اتصالا من الأجهزة الأمنية بأن أخته لديهم، وأنه لن يتم الإفراج عنها، إلا إذا قام بتسليم نفسه، وهذا الأسلوب تلجأ إليه أجهزة الأمن السورية، للضغط على الناشطين عبر خطف أهلهم.

تم إلقاء القبض على محمد في يوم 10 سبتمبر، أي قبل ثلاثة أيام من استلام جثة أخته زينب، التي تعرفت الأم عليها صدفة، وهي تستلم جثة محمد! نعم هذه المأساة الإنسانية تشبه الخيال في براعة إجرامها، فقد تم قتل محمد بعد أُن قُبض عليه!

الأم التي تعرفت على جثة ابنتها، قالت؛ إن الأمن أخبرها، أن هذه الجثة هي لابنتها، التي اختفت يوم 24 يوليو، عندما كانت في طريقها لشراء الدواء للأم المريضة.

ثم اختفت الفتاة. وعادت جثة مقطعة. القصة الغريبة، لم تتوقف عند هذا الحد من الترويع!

أحد التجار في الحي، الذي كانت تسكنه زينب، روى أنه شاهد رجالا يخرجون من سيارة، ويختطفون الفتاة، لكنه لم يدقق في التفاصيل، لأنه كان داخل المتجر.

ينتهي الفصل الأول من المأساة بهذه الفاجعة، ليبدأ بعد ذلك فصل جديد، تظهر "زينب الحسني" في الرابع من شهر أكتوبر 2011 على التلفزيون الرسمي السوري، وكانت المفاجأة التي وقف العالم مدهوشا أمامها. من هذه الفتاة التي ظهرت؟ ومن تلك الفتاة التي قُتلت، وظهرت مقطعة الأوصال ومشوهة؟

اللقاء الذي تظهر فيه زينب على التلفزيون تعترف فيه، أنها هربت من بيت أهلها بسبب خوفها من تعذيب إخوتها لها، وأنها أرادت الظهور لتكذيب وسائل الإعلام المغرضة!

ثم اختفت زينب كما ظهرت!

لم يعد أحد يسمع عنها شيئا. ظهرت، وقالت إن الأمن لم يقتلها، ولم يُقطع جسدها، ولم يُسلخ جلدها، ولم تُغتصب! ثم ابتعلتها الأرض فجأة.

حتى الآن ما يزال مصير زينب مجهولا، ومصير الفتاة المقطعة الجثة، والمفترض أنها كانت "زينب الحسني" مجهولا أيضا، وأهلها لم يسمعوا عنها ومنها، بعد لقاء التلفزيون أي أمر يؤكد وجودها! وهم الآن لا يعرفون من هي ابنتهم الحقيقية: الفتاة التي ظهرت على التلفزيون الرسمي، أم الفتاة التي قتلت وقطعت؟ في كلتا الحالتين، فإن الأم تدعو الله، أن تكون البنت التي ظهرت على التلفزيون، هي زينب، رغم أن ذلك يعني تشويها لسمعتها في المجتمع، لأن رواية النظام الرسمية تقول؛ إن زينب هربت من بيت أهلها لتتزوج من رجل متزوج!

يبدو الأمر غريبا، خاصة أن النظام يريد الإيحاء أن ما يتم بثه على بعض الفضائيات، هو محض اختلاق، وهو جزء من المؤامرة على النظام السوري، وهو يبدع في اختراع تمثيلات إعلامية واجرامية، ومن المرجح أن تكون قصة الفتاة "زينب الحسني" إحداها، ومن المرجح عدة احتمالات، منها أن يكون اللقاء الذي ظهرت به زينب على شاشة التلفزيون، قد سجل لها قبل قتلها، أو أن الجثة التي قُتلت، هي لامرأة أخرى، والنظام وأجهزة آمنة قامت باستخدام هذه القصة التي راح ضحيتها، زينب الحقيقية، وزينب المجهولة صاحبة الجثة المقطعة، ليقوم بتبرئة نفسه أمام الرأي العام، من العلميات الإجرامية.

هذه القصة التي تبقى نهايتها مفتوحة على الألم، تترك السؤال صعبا، حول حقيقة ما يحدث في سوريا بحق النساء، وكيف يتم استخدامهن كوسيلة من أشد وسائل القتل والإبادة في المجتمع السوري، سواء عن طريق مادي ملموس، أم عن طريق القتل المعنوي بالتسلسل.