بكل سهولة، الأمر مجرد لعبة، وأيا كان خلف الشاشة، اللعبة لها أهدافها، وسنصل لها معاً بغض النظر عن الاعتبارات الدينية أو العرقية أو السياسية أو أيديولوجية المجتمعات وثقافتها.
إنها العولمة يا دوخي (أبو زياد)، طريق سيصنع العالم القادم الذي سيعيشه أبناؤنا.
العولمة جهود اتصال، وتواصل، وبناء، وتطوير، وليس من الحكمة أن نتعامل معها بمنطق الرفض المطلق أو القبول المطلق، فالعولمة عملية تاريخية، وبذلك يعد منطقا متهافتا ما يدعو إليه البعض من ضرورة محاربة العولمة بشكل كامل، فهل يمكن مثلاً محاربة شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» من خلال إصدار قرار بالامتناع عن التعامل معها، إن الرفض المطلق للعولمة لن يُمكّن الدول والمجتمعات من تجنب مخاطرها، كما أن القبول المطلق لها لن يمكنها من الاستفادة التامة منها.
وكما يقول الدكتور أحمد كمال أبوالمجد إن «علينا نحن العرب والمسلمون أن نسأل أنفسنا سؤالا صريحا، وأن تكون إجابتنا عليه واضحة، هل نحن في معركة ضد التطورات المصاحبة للتحول نحو (الكوكبة أو العولمة) وهل لدينا بديل نعرفه، ونريد أن نثبت عليه؟».
أقول: إن أكبر ما يهدد ثقافات الشعوب في عصر العولمة هو هيمنة ثقافة الدولة المتفوقة على سواها اقتصاديا وتقنيا، بما توفر لتلك الثقافة من ضخامة إنتاج موسيقي وسينمائي وتليفزيوني... إلخ، وما حققته لها وسائل الاتصال العصرية من رواج في كل أرجاء المعمورة، وما تحمله من قيم مادية ونزعة فردية وتوجه استهلاكي مفرط، مما يجعلنا في حاجة كذلك إلى مقاومة الاختراق وحماية هويتنا القومية وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي تحت تأثير موجات الغزو الذي يمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والتَقانة، على حد تعبير المفكر المغربي محمد عابد الجابري.
وإن في تعدد الثقافات - بدل تنميطها وتوحيدها ضمن إطار ضاغط وثقافة مسيطرة - نفيا للاختلاف وقضاء على التنوع الذي أراده الله لعباده وعدّه آية من آياته، «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»، «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين».
لذلك، فإن أمام ثقافتنا العربية والإسلامية - في عصر العولمة - تحديات جسام، في مقدمتها أن تقوى على النهوض من ذاتها وتنمو نموا داخليا بجهد أبنائها، وذلك بالعودة إلى مخزونها الثري فتحييه وتجدده دون أن يأخذ ذلك منهج أسر الحاضر في قيود الماضي من جهة، وبالتفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى تجنبا للانغلاق والتحجر من جهة أخرى. وبدل أن تكون العولمة إفقارا لثقافتنا وعامل تصحر لها لا تقل عواقبه الوخيمة عن عواقب التصحر البيئي القاتل، فإنه ينبغي لنا أن نغتنم هذه الفرصة المتاحة لنا ولغيرنا من شعوب العالم، وبذلك يكون يصدق فينا قول الله عز وجل:
«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ» (11).
وحتى يتحقق هذا الأمل الموعود، لابد من العمل على ثلاثة محاور:
المحور الأول: تطوير النظم الإسلامية وآليات تفعيلها، ثم تطبيقها في المجتمعات الإسلامية، ومن ثم إخراجها للناس ودعوتهم إليها.
المحور الثاني: بيان ما في العولمة الوافدة من مثالب، وبيان الحلول الشرعية، والبرامج الإسلامية التي يمكن أن تحل محلها، مع توضيح الوجه الذي جعلها تفضل غيرها.
المحور الثالث: تحصين المجتمع المسلم من مثالب العولمة، وما فيها من أخطاء.
وجمع هذا كله، بناء المجتمع المسلم المؤهل في كافة المجالات، وعلى أكتاف هذا المجتمع تقوم الدول التي إن قالت سمع لها.
أنا وأنت يا «دوخي» وكل أم وأب في وقتنا الحالي لا بد لنا من الانخراط في العولمة من دون تردّد ومن دون حدود؛ لأنها ظاهرة حضارية عالمية لا يمكن الوقوف ضدها ولا تحقيق التقدم خارجها. إن الأمر يتعلق بقطار يجب أن تركبه، وهو ماضٍ في طريقه بنا أو بدوننا.