تأثيرات كورونا عالميا
سلطت ندوة نظمت عن بعد بعنوان «النظام العالمي والعلاقات الدولية بعد كوفيد-19»، الضوء على تأثير كورونا على النظام العالمي والعلاقات الدولية، وهل تصبح هذه الأزمة نقطة تحول محورية على الصعيد العالمي، إضافة إلى مؤشرات هذه التحولات الدولية، وانعكاساتها على منطقة الخليج والشرق الأوسط.
التأثير على النظام العالمي
لفت ابن صقر إلى أن أزمة كورونا أثرت على النظام العالمي، الذي قام استنادا إلى تفاهمات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، مبينا أن اللحظات التاريخية والنادرة التي نعيشها اليوم، كشفت بشكل واضح التوترات وصراعات القوى العظمى، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضح ابن صقر، أن الولايات المتحدة وانطلاقا من هذا الاتهام تتجه إلى مطالبة الصين بدفع تعويضات مالية ضخمة تبلغ 6 تريليونات، عما لحقها من خسائر نتيجة إخفاق الصين، وإخفائها حقيقة انتشار الفيروس ومدى خطورته، مبينا أن هذه المطالبات ستخلق نوعا من المواجهة بين الطرفين، مما يجعل الولايات المتحدة تضغط على حلفائها في أماكن كثيرة من العالم، في كيفية التعامل مع الصين، لافتا إلى أن العلاقات الخليجية الصينية كانت جيدة خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ نمت العلاقة الاقتصادية وأصبح 30 % من استهلاك الصين النفطي يأتي عبر الخليج، مؤكدا أن السعودية تأتي كأكبر مورد نفطي للصين، حيث تصدر لها أكثر من 17 %.
تأثيرات العقوبات الأمريكية
أشار رئيس مركز الخليج للأبحاث إلى أن أي عقاب أميركي ستوقعه ضد الصين سنتأثر به في الخليج، لأن نحو 69 % من صادراتنا من النفط والغاز تذهب لشرق آسيا من الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. لافتا إلى أن العالم العربي لديه كل المقومات لإيجاد مشروع عربي حقيقي، كما أن المملكة العربية السعودية لديها إمكانات كبيرة لتلعب دورا قياديا في هذا المشروع.
ظاهرة العولمة
بدوره، أشار أستاذ الفلسفة والدراسات بجامعة نواكشوط الموريتانية عبدالله ولد أباه، إلى أن ظاهرة العولمة مستحكمة وقوية، وأكبر دليل هو أزمة كورونا، وكيف أن وباء بسيطا ظهر في مدينة صينية وصل إلى كل مكان في العالم، مبينا أن البعد السياسي ما زال قاصرا عن مواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها النظام العالمي. وأكد أن الولايات المتحدة بدأت تنسحب من التزاماتها في النظام الدولي الذي أسسته منذ عهد إدارة أوباما، موضحا أن الصين باتت تدير 7 مؤسسات دولية كبرى في منظمة الأمم المتحدة، كذلك توجد بها 14 مؤسسة تحتل مراكز قيادية في العالم.
المتغيرات الدولية
أوضح منسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية محمد أنيس سالم، أن المتغيرات الدولية التي نشهدها هي محطة على الطريق وليست نقطة تحول، بمعنى أننا نشهد استمرارا لمجموعة من المتغيرات تبدأ بالتبلور بطريقة أو بأخرى، وليس هناك ما يمكن وصفه بعالم ما بعد كورونا.
وأضاف «إننا اليوم أمام أزمتين في وقت واحد، وهي أزمة كورونا وأزمة الكساد العالمي، التي قد تكون نتائجها وآثارها عدة أضعاف آثار كورونا»، مبينا أن المرحلة التي نعيشها مرحلة انتقالية قد تستمر سنوات عدة، ولن نصحو صباح اليوم الثاني ونجد نظاما دوليا جديدا، ولكننا في مرحلة انتقالية، قد تستمر إلى 20-30 سنة. مركز القوة والصراع قال سالم، إن مركز القوة والصراع لا ينتقل شرقا فقط، فهذا اتجاه موجود من قبل هذه الأزمة، ولكن هناك اتجاها أمريكيا لإعادة التمركز داخليا، يماثل ما حدث في الولايات المتحدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي، وذلك لإعادة التقييم، لافتا إلى أن هناك اتجاها جديدا لإعادة التمترس خلف الدولة القومية، وأيضا هناك دول كثيرة لن تتحمل العبء الاقتصادي الناتج عن كورونا والكساد العالمي. وأكد أنه عند الحديث عن عالم ما بعد الولايات المتحدة، فإن ما نخشاه في العالم العربي هو الثمن الإنساني والاقتصادي والاجتماعي الذي ستدفعه الشعوب العربية، إذ سينضم 50 مليون عربي إلى قائمة الفقراء، موضحا أن الصينيين سعداء بتورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولا يرغبون في التدخل.
انتقال مراكز القوى
قال المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج والباحث في قضايا أمن الخليج العربي ظافر العجمي، إن التحولات الكبيرة لا تحدث على حين غرة، كما أنها لن تحدث حتى يتم تفكيك بعض الكتل السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولن يتم انتقال مركز القوة والهيمنة والريادة إلى الصين أو غيرها بسهولة.
وأضاف، إن ما يمكن ملاحظته هو أن الدول التي تتميز بقوة عسكرية جيدة أجادت التعامل مع الأزمة. فنجاح الصين في التعامل مع الأزمة لا يعود إلى كونها نظاما شموليا، ولكن نظرا لما لديها من ترتيبات عسكرية جادة، لافتا إلى أن الصين تسوق لعسكرة الشارع والتعبئة العامة والأحكام العرفية.
مفهوم القوة
أكد العجمي أن أزمة كورونا أعادت تعريف مفهوم القوة على أنها ليس فقط القوة العسكرية، بل إن هناك قوى متعددة تتضافر مع بعضها لتشكل القوة الشاملة، مثل الجاهزية الطبية والبيئية وحسن الإدارة وغيرها، مبينا أن الدول التي فضلت منح شعوبها حرية الاختيار في العزل أو عدمه، مثل السويد والدول الاسكندنافية، هي التي تكبّدت الخسائر، مشددا على أن إحدى تبعات كورونا هو الفقر الذي قد يحدث بصورة مماثلة لما حدث بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، مستبعدا أن يندلع صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين، فالصين ليست جاهزة لتبوؤ القيادة في العالم، والصدام مع الولايات المتحدة.