تتشابك الخيوط بين أصابعه بطريقة لا تلحظ فيها العين التقنية البسيطة التي يعمل بها، وكأنه يطبق قاعدة "السهل المستحيل"، أدواته قطعة صغيرة من خشب، وخيطان تمتد عشرات الأمتار، يحولها بعد وقت إلى شبكة كبيرة لصيد الأسماك بحرفية عالية، فقد حفظ طريقة العمل منذ زمن بعيد، حتى ألفتها أصابعه ولم يعد يشغل عينيه بكثرة النظر إلى سير العمل.
مهدي صالح آل نصيف - صانع شباك صيد الأسماك- التقته "الوطن" في مدينة "عنك" التابعة للمنطقة الشرقية، حيث يسكن، فبدأ الحديث بآهة طويلة، يظن سامعها أنه يتأوه لعزيز ألم به مكروه، إلا أن تلك التنهيدة كانت حسرة على شباكه التي تحيكها يداه ولا أحد يشتريها، قائلاً باللهجة العامية: "أصنعها وما عاد أحد يشتريها، صرت أسويها للمهرجانات والمعارض بس".
وبينما يحيك مهدي شباكه يتحدث قائلا إن الشباك لها عدة أسماء مثل "سالية"، و"غزل"، و"نكاسة"، وغيرها، ولكل منها مهمة خاصة لا تقوم بها الأخرى، إذ تستخدم بعضها لصيد الأسماك الكبيرة، وتتميز بفتحات واسعة، حتى إنها قد تصطاد سمكة قرش كبيرة، أو تصطاد إنسانا في حال عدم انتباهه لمساره في قاع البحر، بينما تستخدم أخرى لصيد الروبيان، وتتميز بفتحات صغيرة تتلاءم وحجم الروبيان.
وتابع قائلاً: "دخلت البحر، لكن صناعة الشباك هي المهنة التي أحببتها ومارستها، وتستخدم في صناعة الشباك خيوط من النايلون المصنع كبديل للخيوط القطنية المصنعة يدويا قديما، ونستخدمها في صناعة الأنواع الثلاثة الرئيسية من الشباك المذكورة سابقا".
وعن الوقت اللازم لصنع الشبكة والأسعار أضاف أنه "يتطلب لصنع الشبكة التي يبلغ طولها اثنين وعشرين مترا خمسة عشر يوما من العمل، وكذلك أغلب الأنواع الأخرى منها، بينما يتراوح سعرها بين الألفين حتى ثلاثة آلاف ريال سعودي".
وأوضح مهدي أن صانع الشباك يجب أن تتوفر فيه شروط أساسية هي "معرفته بالصيد، وهي لا تتحقق إلا بممارسته المهنة، ومعرفة جيدة بكيفية تركيب حلقات الشبكة المصنوعة من الرصاص، التي تثبت فيها من أجل إعطاء وزن لها كي لا تغرق في البحر"، مضيفاً أن بعض أنواع الشباك يختفي نوعاً ما، بينما بقي استخدام البعض الآخر".
وعن المصدر الذي تعلم منه مهنته قال "تعلمت هذه الحرفة من والدي الذي علمني إياها، كما علمني صناعة "الحظور" ومفردها حظرة، وهي حواجز توضع في البحر بطرق محددة من أجل الإمساك بالسمك باحتجازه داخلها، مع بقاء الأسماك المحتجزة حية بسبب توافر مياه البحر داخل "الحظرة".