لم يخطئ من قال إنها: متفرده كنخلة مليئة بالرطب في تلك الصحراء. فها هي فوزية أبوخالد تعود إلى أرض الوطن مثلما هي، باسقة وفرعها في سماء الشعر رطب. بعد رحلة علاجية استمرت لأشهر للتعافي من ورم سرطاني عادت الشاعرة والكاتبة فوزية أبوخالد إلى المملكة، واصفة تلك الرحلة بأنها "كانت لحظات صعبة أرجو الله ألا تعود فتبعدني عن أحبتي في أي بقعة على وجه الأرض".
أبوخالد التي وصلت جدة أول من أمس لتقضي بضع أيام مع والدتها قبل أن تعود لبيتها في الرياض قالت لـ"الوطن": كان شهر يونيو الأصعب بالنسبة لي في فترة علاجي السابقة حيث أرهقني العلاج الكيماوي إلا إنني هذا الشهر أعتقد أنني أفضل من ذي قبل بكثير وأحمد الله على ذلك.
كان صوت فوزية ينبض بكثير من التفاؤل والقوة التي اعتدنا عليها إلا أنها تنبئ عن تلك الروح الجديدة التي تطرد بإرادتها كل ضعف.
وحين كانت تقضي فترة علاجها بالكيماوي في أحد مستشفيات لندن لم ينقطع قلمها فظلت مواكبة كل الثورات العربية لتصدح بحبرها وأعماقها المواسية لغيرها حتى إنها لم تكن بحاجة إلى مواس في عز معاناتها من "سرطان الثدي" الذي ألمّ بها على حين غرة، قائلة: إن لم يكن لي أن أكون حاضرة في أي من ميادين التحرير وساحات التغيير فإنه بحسب تقديري لا يليق بتواريخ تمردي العذري وبأشواقي المعتقة الطاعنة في عمر العشق الوطني، أن أغيب عن سماوات الشعر، أو على الأقل ألا أحضر في مجال التحليل السياسي والاجتماعي لهذه الشلالات البشرية المنطلقة في الوطن العربي بروح فروسية خلف راية الحرية. غير أن "بُعد المنال" لا ينازله إلا ما هو أطول من عمر الإنسان وليس ذلك "لعمري" إلا الأمل.
أبوخالد كانت وهي تتطلع إلى لحظة سلام واحدة تبحث فيها عن نفسها بين نثار المواد الأسيدية المستعرة في أعصابها تقاوم كل ضائقة ممرضة مرت بها لتقول لكل محبيها السائلين عن القصيدة المسماة فوزية: أنا هنا بينكم أيها الواقون من أية علة ولن أغادركم بعد ذلك.