في المقابل يرجع تفشي الفيروس وتوسع رقعة حدوده لسلوك الإنسان، نقله الإنسان من بداية بؤرة انتشاره في مدينة «ووهان» الصينية، ليتعدى حدود الصين، ليشمل كافة أصقاع المعمورة، لتُعلن منظمة الصحة العالمية أنه أصبح وباء «Pandemic» عالميا، هنا أقول إن تفشيه «سلوكي» ويعود لسلوك الإنسان. كما هو معلوم للجميع أنه لا علاج ناجعاً لمرض كورونا ولا لقاح لحينه، والمُتاح هو معالجة العوارض المصاحبة له والاستعانة بأجهزة التنفس الصناعي للحالات الحرجة، والاستثمار الحقيقي هو في التصدي للفيروس والتخلص منه من خلال بدن المُصاب وفكره «Mind» السليمين «بجهاز مناعي ذاتي»، وهو سر الشفاء بعد الله لكل المُتعافين، ومثل هذا يتطلب بدنا قويا بقاعدة «سلوك صحي» ليعمل جهاز المناعة بكامل قوته وقدرته، وهنا شأن آخر «سلوكي». للفيروس دورة حيوية كالفيروسات كافة كما يُدركها علماء الوبائيات «Epidemiology»، وهنا يلعب الدور الوقائي نصيب الأسد في الوقاية من تفشي الفيروس، والذي يتضمن الإبعاد الجسدي من خلال الابتعاد الاجتماعي، كالحجر الصحي والبقاء في المنازل، وغسيل اليدين والتعقيم، ونظافة البدن، وعدم ملامسة الأشياء غير المُتأكد منها، لكي تكتمل دورة هذا الضيف الثقيل ويرحل بسلام وأقل خسائر ممن أُصيب به ولا يُصاب به آخرون، الوقاية هنا «سلوكية» من ألفها إلى يائها، وتعود لسلوك الإنسان ومدى التزامه بسبل الوقاية المنصوص عليها.
يُخلف كورونا العديد من العواقب النفسية كالقلق والهلع والاكتئاب، سواء لمن أُصيب به أو المُحيطين به من جهة، ومن جهة أخرى فإن النفس البشرية تعشق الحرية بطبيعتها، ولم تتعود العزل والإبعاد والابتعاد، وبالتالي تظهر هناك عوارض نفسية مُصاحبة لمن هم في الحجر الصحي أو الإبعاد المنزلي، والبعض في تخوف وقلق من الإصابة، كما أن من يُعاني اضطرابات القلق والهلع وقلق الصحة والوساوس المُتعلقة بالعدوى قد تزداد معاناتهم بشكل كبير، هنا القول بأن هذه العواقب هي «سلوكية».
يُضاف لذلك من يقوم على مباشرة نقل وعلاج المرضى من الكوادر الصحية، وكذلك الداعمين لوجستيا من رجال الأمن ووزارة التجارة، والعاملين في الأماكن الحيوية ومن يقوم على توصيل طلبات من هم في الإبعاد الاجتماعي، ومن يقوم على رعاية من هم في الحجر الصحي وعمال النظافة في المستشفيات، الجميع لديهم هاجس الإصابة بالمرض وهاجس نقله لمن يُحبون، يضاف لذلك ساعات العمل الطويلة وما تُخلفه من نتائج، الجميع يقود إلى بيئات ضاغطة جدا «Distress» تتطلب تدخلا نفسيا عاجلا لرعايتهم، القضية هنا «سلوكية» أيضا.
كما أن من يخرج من الحجر الصحي أو من أُصيب قد يتعرضون لشيء من عزل اجتماعي، ليصل الأمر لوصمة «Stigma» تلحق بهم، مما قد يُؤدي إلى مشاكل واضطرابات نفسية ذات صلة، هنا شأن «سلوكي» آخر.
في النهاية فإنه بالإمكان تصنيف أزمة كورونا «سلوكيا» ليتم عليه دمج الرعاية الصحية السلوكية «Behavioral Healthcare» جنبا لجنب مع الرعاية الصحية التقليدية، وقائيا وعلاجيا، مثل هذا لم يُعد خيارا وإنما إلزام ضمن إستراتيجيات الصحة، أقول هنا هنيئا لهذا الوطن بهذه القيادة المُخلصة، وما تم وما يتم من نجاحات وإنجازات اشترك فيها الجميع بلا استثناء. دمتم سالمين.