تأملاتي كأم

‏مرّ طفلي الصغير الذي يدرس في الصف الأول الابتدائي بوعكة صحية ألزمته الفراش أكثر من 10 أيام، وبعد تماثله للشفاء، والحمد لله، أيقظته صباح الأحد متوهمةً بسعادته للعودة إلى المدرسة، إذا به يبكي ويتساءل: لماذا لم تنته المدرسة بعد؟ هدّأتُه، وقلتُ له ما هي إلا شهران وتأتي العطلة الصيفية، وترتاح يا بُنيّ من عناء المدرسة.

ذهب إلى المدرسة متثاقلا، وما هي إلا أيام حتى تم تعليق الدراسة بسبب جائحة كورونا. فرح بالخبر وشكر كورونا، ونام وزال همّه.


‏وبعد أيام من الراحة، فوجئ بأني أعطيته واجبات مدرسية عن طريق الجوال والآيباد، ثم تطور الحال إلى الرسم على الكمبيوتر والتصوير والتسجيل، وإرسال كل ذلك إلى معلميه وتلقي التعزيز المباشر.

‏المذهل في الأمر، إقباله على الدراسة بسعادة واهتمام غير مسبوقين ومعهودين منه، وسؤاله طوال اليوم عما تم إرساله، وما الجديد؟، ‏حتى لاحظت تحسنا كبيرا في تحصيله وتركيزه، ومدى إتقانه بعض المهارات.

‏سألته: هل المدرسة الآن أفضل؟ أجاب دون تردد: «نعم»، فأنا آخذ كفايتي من النوم ثم أتناول فطوري الذي أختاره بعناية، وأنا أشاهد فيلم الكرتون، لا يوجد تعب أو حقيبة أحملها، أكتب واجباتي على الجوال والآيباد، وأنجز اختباراتي بسرعة، وألعب وقتما أريد، وأعود لأكمل ما يطلب مني.

‏الأجمل من هذا كله، أن عبدالملك بدأ يصلي بنا صلاة الجماعة، ويقرأ السور التي حفظها في الصلاة. سألته هل تريد أن تستمر المدرسة في المنزل؟، أجاب: «نعم»، دون تردد مرة أخرى.

ـ وماذا عن أصحابك؟

فقال: ألتقيهم في الشاليه أو المول

تأملاتي كمنسوبة من منسوبات وزارة التعليم

‏انتقل التعليم السعودي -في غضون أسابيع- إلى تعليم إلكتروني وتعليم عن بعد، يصل إلى أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة، ويغطي أكثر من إثنين وأربعين إدارة تعليمية، بل واكب ذلك تطوير مهني للمعلم عبر منصات المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي، واقتُرِحت عدد من الخطط البديلة لحل أزمة كورونا، والجميع على أتم الجاهزية لتنفيذ الأوامر، أيّا كان صداها.

‏أبناؤنا هم الجيل الرقمي الذي يجد نفسه في التعليم الإلكتروني، بل هو التعليم الذي يوافق ميولهم وقدراتهم.

‏لذلك، كشفت لنا جائحة كورونا جوانبَ مشرقة في التعليم السعودي، خاصة في مرونته وحرفيته في التعامل مع الأزمة وتوظيف التقنية الحديثة، والتي أثبتت نجاحنا في إكمال المسيرة التعليمية خلال هذه الأزمة، والتي سنحصد نتائجها الفترة القادمة بإذن الله.

‏وفي مسح بسيط أجريته على مجموعة من منسوبي التعليم حول التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد بالمملكة خلال أزمة كورونا، كان تأييد التجربة كاسحا بين أطياف العينة، ويعتقد حوالي 80% منهم بإيجابية التجربة على مهارات الطلاب، خاصة مهارات التفكير، وعمليات التعلم والتعليم، كما يؤيد 60% من العينة بتطبيق الاختبارات الإلكترونية، ويرى 50% منهم أن التعليم الإلكتروني لا يقل عن التعليم التقليدي في تعزيز المهارات، ورغم ذلك فقد كان المشككون في أثر التعليم الإلكتروني على التحصيل العلمي والمهاري بالمقارنة مع التعليم التقليدي، ضعف المؤكدين على أفضليته، خاصة فيما يتعلق بالمهارات الاجتماعية، والتفاعل بين المعلمين والطلاب.

‏نعم للتعليم الإلكتروني، وشكرا لله، ثم لدولتنا وحكومتنا الرشيدة، التي تلتمس حاجاتنا ‏وتحاول تلبيتها بأفضل الوسائل.

‏هناك دافعية للتعلم، تجاوب، مرونة، بل سعادة بطرق التعلم المقترحة والتجارب الجديدة، لذلك لا أراها أزمة تعليم، بل هي حقبة التحول الرقمي السعودي القوية والفاعلة.