التقيت بـ"نور"، وهي فتاة سورية تعمل مضيفة طيران في رحلة من رحلات الخطوط السعودية، يومها قالت لي: "أريد أن أعمل شيئا لبلادي، وحزينة لأنني بعيدة عنها وهي تحتاج إليّ"، وظل حديث هذه الفتاة السورية الحزينة معي طويلا أفكر فيه.
وأتذكر رجلا يعيش بعيدا عن وطنه لكنه يعمل لأجلها وهو أستاذي خلف الخلف صاحب دار نشر "جدار" الذي نشر روايتي الأولى، والرجل الذي في نظري لو لم تثر سورية لأحرق نفسه مثل البوعزيزي تماما، وبخاصة أنه منذ سنوات عديدة وهو محروم من زيارة بلده وتقبيل كفي والدته.
قام خلف بتأليف كتاب جريء نشره في زمن الخوف من النظام السوري أسماه "عن البلاد التى بلا أمل الأسد الابن.. مملكته ومعارضته".
ثمة جملة طويلة في مقدمة الكتاب تشرح العنوان، يقول فيها خلف: "منذ أكثر من أربعين عاما وبلادنا "وناسها" تتجرع المرارة.. تتجرع الصمت والسجون والمنافي والتعذيب والنهب المنظم وقمع أصواتنا. لقد دفعت سورية وشعبها ثمنا فادحا عبر هذه السنين وتحولت من مشروع دولة إلى مجرد "مشروع" للنظام وأجهزته وأتباعه، وتحولت بلادنا إلى "بلاد بلا أمل".. نعم لم يعد هناك أمل، وهذا أفدح الخسارات التي مُنيت بها سورية في ظل حكم الأسد الأب والابن.. لم تعد هناك أحلام أيضا لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى البلاد".
الكتاب عبارة عن مقالات لغتها ساخرة موجعة، يسميها يومياته أحيانا، وأحيانا يوميات سورية، يقطع الأمل بالأمل حينا، وحينا يستجلب الأمل من رحم المعاناة.
قراءة الكتاب بعد كل هذه السنوات وفي خضمّ الثورة السورية التي يسقط شهداؤها كل يوم ليصنعوا لسورية طريقا نحو الأمل يجعلك مع كل مقال تزداد يقينا بأن سورية بلاد الأمل القادم، كما مصر الآن، وهي تتزين بصور المرشحين من مختلف التيارات الفكرية؛ مما يبشر باختلاف محمّل بالأمل.
قلت لصديقة قبل أسبوعين ونحن نتجول في شوارع القاهرة وألمس الأمن والهدوء في قاهرة المعز وصور المرشحين في كل مكان حتى بجوار حبال الغسيل: "انتخبوا طلعت حرب"، فتطلعت نحوي متعجّبة، لأرد: مصر تحتاج لاقتصادي.. لمهندس.. لإداري، مصر ليست أقل من ماليزيا ولا تركيا ولا حتى البرازيل التي انتشلها هؤلاء من غياهب الفقر والنسيان إلى مصاف الدول الكبرى.
ثمة مرشحون للرئاسة ليس لأحدهم شيء سوى أنه اعترض على السادات في وجهه عندما كان المرشح طالبا جامعيا، وآخر يراهن على حب المصريين للمؤمنين والوعاظ، ومصر حتى يكون لديها أمل تحتاج لقيادي فذّ لديه خبرة في الإدارة والاقتصاد لا خبرة في إلهاب عواطف الجماهير، فالعواطف لم تمنح مصر أملها المنشود من قبل.
أمنياتنا لمصر وسورية أن تكملا الطريق بطريقة صحيحة، ولا شك في أن أول ذلك هو انتزاع الأمل من مخالب اليأس.