أجمل ما خرجت به من حوار سمو وزير التربية والتعليم مع الزميل – داود الشريان – أن سمو الوزير رفع الكلفة وأتى إلى الأستوديو تلقائياً مباشراً حتى في المظهر ومن بعدها خيارات اللغة. لم يأت، كعادة، كبار المسؤولين لينفي أو ينكر أو يستنكر. سمو الوزير على رأس نصف مليون موظف وربما لا يفوقه في عدد المرؤوسين سوى بعض الجيوش العربية لكن الفارق بين جيشه وبين تلك الجيوش أن أتباعه لا يؤدون انضباط الطابور ولا يأتمرون من أحد لخفض سقف المطالب. وما أعجبني من الردود إلا ذروتها وهو يقول: أنا محامي المعلمين وهم معي لا يحتاجون إلى محامٍ. واعترافاً بحق هذا المحامي، سنكتب قصة دفاعه في النجاح في أمرين جوهريين: الأول، أنه نجح في إعطاء عشرات الآلاف من المعلمين حقوقهم في درجة السلم الوظيفي التي يستحقون بعد أن ظل هذا الملف لسنوات طويلة رهن الدراسة والمراجعة، والثاني، أنه نجح في أكبر عملية نقل لحركة عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات وهو ما ساهم في الأمان النفسي لعشرات الآلاف من الأسر السعودية بهذه الحركة التاريخية. بقي أن نقول لسمو الوزير إن هذا النجاح الجزئي يستلزم حث الخطى نحو الكلية. وبقدر ما استمعت في كل المقابلة، فإن سمو الوزير، وكما هو واضح، قد انشغل بالمحاماة للمعلمين على حساب التعليم. بالكتلة على حساب النواة، وبالكوادر والآليات على حساب المنتج. من الواضح أن المعلمين قد احتجزوا سمو الوزير بمشاكلهم على حساب مشاكل التعليم وإذا صحت هذه الفرضية فإن – المعلم – قد تحول إلى العقبة الكبرى في وجه تطوير التعليم.

نحن يا سمو الوزير مؤمنون تماماً أن نصاب المعلم كارثة في وجه الإبداع. نحن مؤمنون أن عشرين مقرراً أسبوعياً في حقيبة الطالب المدرسية مجرد حشو وحشف وقبح كيل. نحن مؤمنون، يا سمو الوزير، أن ثماني حصص متتابعة لطالب في متر مربع من حصته في مساحة الفصل كارثة عقلية. نحن مؤمنون، يا سمو الوزير، أن الطالب نفسه هو أول من يرفض ألفي ورقة يمتحن فيها نهاية العام ولا سبيل له للخلاص منها إلا بالتلقين والحفظ. نحن مؤمنون يا سمو الوزير أن طالب اليوم بات يعرف إلى أين يقوده هذا المنهج المتراكم من الورق لأنه جيل عولمي رقمي يعرف عبر التقنية ما يأخذه زميله في كل دول الدنيا من الحصص والأوراق وحجم المواد والمناهج. نحن يا سمو الوزير نعترف لك بالمحاماة عن المعلمين ولكن: أين هو محامي التعليم حين يلتبس الهدف: هل هو التعليم أم المعلم؟