في مثل هذه الظروف الاستثنائية يُصبح التدخل النفسي أمرا في غاية الأهمية، من خلال استخدام العديد من تقنيات العلاج النفسي «Psychotherapy» والإرشاد النفسي «Psychological Counseling» والدعم والتعضيد النفسي، ليشمل التدخل، تبني تعليم مهارات التعايش «Coping» مع الضغوط ومهارات علاج الضغوط النفسية، وتغيير البنية المعرفية «المُدركة» للوضع الراهن، واستبدالها بنمط فكري صحيح، واستخدام تقنيات الاسترخاء والتأمل واليقظة الذهنية. يُوصف الجميع وفقاً لنوع الميكانزمات التي تقف وراء ظهور أنماط الاستجابات النفسية المُختلفة. ومن ناحية أخرى فإن التدخل النفسي المُبكر يُساهم في تعزيز الصحة النفسية للجميع، من هم في المحاجر الصحية ومن يلزمه البقاء في المنزل. هنا أود الإشارة إلى أن من لزموا منازلهم كاستجابة لواقع الحال للوقاية، فإنهم ليسوا في «عزلة اجتماعية» كما يُعتقد، وإنما هم في «إبعاد اجتماعي» مؤقت لهدف محمود العواقب، والفرق بين الاثنين كبير، مثل هذا الإدراك الصحيح سوف يُساهم في البقاء المنزلي بأقل الضغوط النفسية وأعلى درجات الالتزام.
يمتد الأمر ليشمل تقديم الرعاية النفسية التخصصية لمن يقوم على رعاية مرضى فيروس كورونا من الكادر الصحي بكل مستوياتهم، وكذلك المُسعفين وخدمات الطوارئ ورجال الأمن والمُتطوعين، ومن له علاقة مُباشرة وغير مُباشرة بالمرضى، لا شك أن موقفهم «حرج» رغم أنهم يقومون بواجب إنساني، ومتفانون في ذلك، ولكن في نهاية المطاف هم «بشر» ولديهم العديد من المخاوف على أنفسهم وعلى أسرهم ومن يُحيطون بهم، يُشكل الجميع ضغطاً نفسياً شديداً، والذي لا شك سوف تكون له انعكاسات نفسية عليهم، ليشمل سير العمل وجودته، كما أن نوعية وكمية العمل شاقة ومُتواصلة وضاغطة، يُضاف لما قبله، من هنا فالحاجة ماسة لرعايتهم وتقديم الدعم النفسي لهم في أماكن وجودهم على مدار الساعة، وإتاحة خطوط ساخنة للتواصل مع المُختصين النفسيين للهدف ذاته.
تبني مثل هذا الطرح من قبل وزارة الصحة - التي بذلت وتبذل جهودا جبارة للتعاطي الأمثل مع هذه الجائحة- أمر في غاية الأهمية، وكذلك الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، والتي سبقت ذلك من خلال برنامجها الرائد «داعم»، الذي آمل أن يتوسع نطاقه ليشمل المُمارسين الصحيين كافة، خاصة من هم في الخطوط الأمامية لمُواجهة مرضى فيروس كورونا. حفظ الله الجميع من كل مكروه ودمتم سالمين.