قدمت في نهاية شهر يناير الماضي دورة تدريبية عن استشراف مستقبل التعليم، وذكرت أن على المؤسسات التعليمية الاستعداد لمواكبة التغير والتطور في المستقبل كماً وكيفاً، ومن ذلك التحول إلى التعليم الإلكتروني الذي لم يعد خياراً للمؤسسات التعليمية، بل أصبح ضرورة مع التسارع المعرفي والمهاري والتطور التكنولوجي وسرعة وسائل الاتصالات والمعلومات، وتنوع عالم المال والاقتصاد الذي هو وجهة مخرجات التعليم والتدريب.

كما أنه مع قدوم الثورة الصناعية الرابعة التي تتميز بالاعتماد على أنظمة الإنتاج الإلكتروني الملموس وربط عالم الإنتاج المادي بالافتراضي، وزيادة العمليات والأنظمة الذكية، والتفاعل المتقدم بين الإنسان والآلة، وزيادة الواقع المعزز والأجهزة القابلة للارتداء، ومنصات إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الكبيرة، والخوارزميات المتقدمة، فقد أصبحت مواكبة التعليم لهذه التطورات المذهلة أمرا لازماً لا جدال فيه من خلال سرعة التحول إلى التعليم الإلكتروني وزيادة فرص التعليم عن بُعد، والاستجابة لمتطلبات المستقبل.

لقد تناولت أهم توقعات التعليم للمستقبل والتي من أبرزها أنه في عام 2025 ستكون هناك زيادة كبيرة في عدد خبراء التعليم عن بُعد، وفي عام 2026 سنصل إلى التعليم على مستوى العالم وليس على المستوى المحلي فقط، كما أنه في عام 2030 ستتواصل الأدمغة بخدمات الحوسبة السحابية، وسيحدث المسح الدماغي ثورة في أساليب التدريس، وسيصبح الذكاء الاصطناعي معلما، وفي عام 2036 سيكون هناك انخفاض كبير في عدد الصفوف المدرسية التقليدية مع اختفاء الامتحانات تقريباً، وفي عام 2050 لن يتم تعليم القراءة والكتابة، مما يعني اختفاء (القلم)، كما أن نمط التعليم المدرسي القائم حالياً لا مستقبل له في العصر الرقمي، نتيجة للفرص التي يتيحها التعليم الإلكتروني مما قد يصل إلى مناقشة إلغاء المدارس في المستقبل، وربما يأتي اليوم الذي تسأل المؤسسات التعليمية ولي الأمر ما نوعية التعليم الذي ترغب إلحاق ابنكم به؟ هل سيكون داخل المدرسة أو عن بُعد؟


لقد مثل تقرير ادغار فور " تعلم لتكون " عام 1972، وتقرير جاك ديلور وزملاؤه "التعلم : الكنز المكنون " عام 1996 والصادر عن منظمة اليونسكو منطلقاً لاستشراف مستقبل التعليم في العالم، والذي يتضمن ثلاث مراحل أساسية تتداخل فيما بينها، تبدأ بمرحلة رصد الاتجاهات والمؤشرات التي قد توضح بعض الأدلة المستقبلية، ثم مرحلة التوقع المستقبلي وإيجاد العلاقات الثنائية أو المتعددة فيما بينها، وربطها بالمتغيرات والتحديات المحيطة وصولاً إلى بعض التوقعات المستقبلية، ثم مرحلة الوصول إلى البدائل أو المشاهد المستقبلية، وهذا ما يحدث حالياً في معظم دول العالم مع انتشار فيروس كورونا، والتي تحولت فيها المؤسسات التعليمية من الاعتماد على التعليم المباشر في المدارس والجامعات، إلى الاعتماد على التعليم عن بُعد، وهذا الحدث الطارئ يعد فرصة مناسبة لدول العالم للتحول من التعليم بالورق إلى التعليم بالشاشة الإلكترونية، وبناء نظام تعليمي جديد يختلف عن أساليب ونمط التعليم التقليدي، وابتكار أساليب حديثة وأدوات وطرقا ومنهجيات تعليم تضمن التحول السريع نحو التعليم الإلكتروني الذي يزيد من سرعة وتوفر وسائل التعليم، ويسهل من فرص التعلم.

إن ما حدث من تحولات رقمية مع انتشار فيروس كورونا سيزيد من ثقتنا في استخدام التقنية في التعليم وتوظيف أدواتها لتزويد المتعلم بالمعارف والمهارات والقدرات التي يحتاجها، كما سيزيد من فرص الاستفادة منها، واختصار الوقت على الكثير من المؤسسات التعليمية في التحول من نمط التعليم التقليدي المعتمد على الورق إلى نمط التعليم المعتمد على الشاشة الإلكترونية، والذي سيؤدي إلى نتائج إيجابية تبدأ من إتاحة فرص التعلم مدى الحياة life long learning وزيادة شغف المتعلم وتحسين مستوى الرفاه التعليمي له في المستقبل في سهولة حصوله على المعلومات أينما كان وفي الوقت المناسب له، كما أن ذلك سيجعلنا نتجاوز الثغرات في الكفاءة ونقص التجهيزات، من خلال مراجعة السياسات واللوائح الإلكترونية، وبناء المحتوى التعليمي الإلكتروني والأنظمة والواجهات والمنصات الإلكترونية، وإنشاء الأكاديميات الافتراضية للتنمية المهنية للمعلمين، وتجديد أنماط العلاقة بين المعلم والمتعلم من خلال تنويع عمليات وأنشطة التعليم، وزيادة وسائل التنمية الفريدة للمتعلم بما يضمن إتاحة الدروس المرنة للتعليم على مدار اليوم، بالإضافة إلى أن هذا التحول الرقمي لا يُعد فرصة للتعليم فقط، بل فرصة لتطوير كافة بيئات الأعمال ومنها الإدارة الحديثة في المؤسسات العامة والخاصة بالتحول إلى المجتمع الرقمي وتوظيف فرص العمل عن بُعد بدءا من الاجتماعات الإلكترونية والمؤتمرات والندوات الافتراضية المدعومة بنظارات الواقع المعزز للتخطيط لذلك التحول، وتبسيط الإجراءات واختصار الوقت في خدمة المستفيد في موقعه، وزيادة فرص ومجالات التوظيف عن بُعد.