وجهة النظر الغريبة التي خرج بها رئيس الوزراء البريطاني في مواجهته لكورونا، أثارت الرعب في الداخل البريطاني بقدر ما أثارت من الاندهاش لدى الشعوب الأخرى، ما أثارت.
(2)
كنت في محادثة مع أحد كبرائنا الذين علمونا الكتابة (محمد الرطيان). وقال: إن البريطاني الذي يتشدق بحقوق الإنسان عندما يقف تحت إحدى شجار الهايد بارك لينتقد الأنظمة الصحية والتعليمية والاجتماعية والسياسية، بل ويلعن الداخل والخارج، ويسب من في الأعلى، ويدعو لسحق من في الأسفل، ينتقد ما يشاء ومن يشاء. ولا يستطيع أحد أن يقول له كلمة، هذا البريطاني بمجرد خروجه من الحديقة، وسقوطه بكورونا في الشارع، لن يلتفت إليه أحد ما دام لا يحمل بطاقة تأمينية تدفع خدماته الطبية. في الوقت نفسه، السعودية بكاملها تقف على قدميها وبكل قوتها السياسية والمالية والاقتصادية والإدارية والصحية والاجتماعية، بل وبكل ما ادخرته من تراكم معرفي وعلمي وعملي، لتحارب هذا الوباء بكل شراسة، وتتخذ لصده الإجراءات الشجاعة والمدهشة وغير المتوقعة. قرارات جريئة لا يستطيع المراقب السياسي والصحي والاقتصادي والإداري أن يلتقط معها أنفاسه بحكم قوتها وسرعتها وتتابعها وتناغمها وتماسكها وتضافرها، قرارا خلف قرار. ثم يضيف محمد ويتساءل: لو سألت هذا البريطاني، أو أي إنسان آخر على هذه الأرض، ما حقوق الإنسان التي يتوجب الحديث عنها؟ واليوم ومع هذه الأزمة التي تعصف بالعالم أين تقع حقوق الإنسان الحقيقية؟ ولو أننا خيرناك أين ترغب العيش والسكن لك ولأطفالك؟ هل ترغب في أن تحيا في دول تنظر لك مجرد رقم، أم تلك الدول التي تنظر لك بوصفك إنسانا؟
(3)
قبل فترة بسيطة وفي مقابلة مع عادل الجبير، يسأله المذيع الغربي عن أي نقطة يمكن للمنظمات وللبرلمانات المهتمة بحقوق الإنسان أن تلتقي فيها مع السعودية، فيرد عليه الجبير ويقول: يمكنهم أن ينظروا للتعليم، وللرعاية الصحية، ولمستوى الحياة. وعندما حاول المذيع ألا يضع هذه الأمور تحت قائمة حقوق الإنسان. أصر الجبير وهو المتحدث البارع والسياسي المدرك لواقع الحياة أن هذه هي حقوق الإنسان الحقيقية.
(4)
لا توجد دولة في أوقات الشدة والأزمة ترمي بكل حساباتها المادية خلف ظهرها، ثم تتكفل بكل مواطنيها خارج أرضها والمنتشرين في شرق العالم وفي غربه لتجمعهم في أرقى الفنادق والمنتجعات، وتؤمن لهم طرق العودة لمنازلهم سوى السعودية، وبعض الدول التي انتهجت طريقتها لإدارة أزمة كورونا كنموذج متقدم ورائد وفعال وحيوي.
(5)
بعد انحسار الأزمة -بإذن الله- أتمنى من وزارة الصحة ووزارة التعليم ووزارة التخطيط ورشة تنظيم عمل موسعة، تجمع فيها كل المتخصصين في التعليم الأكاديمي والبحثي، وذلك من أجل تدوين وتوثيق تجربة المملكة في هذا الأمر، ومن ثم تمكين الدارسين في الدراسات العليا، والباحثين في مجالات إدارة الأزمات والمخاطر، من الوصول إلى المعلومات والبيانات التي تم اتخاذ القرارات على ضوئها. والهدف من ذلك إبراز هذه التجربة الفريدة لقيادات الدول الحالية والمستقبلية.
(6)
الحياة بعد كورونا ليست هي الحياة قبله. والدول اليوم تقف كلها كجيش موحد ضد هذا العدو الشرس. والسعودية هي إحدى القيادات الشجاعة لهذا الجيش العالمي. وعليه فإن مكاسبنا بعد انتهاء الحرب ستكون أكبر من أن نتخيلها. فقط اُدعُوا الله أن تنجلي الغمة.
لا توجد دولة في أوقات الشدة ترمي بكل حساباتها المادية خلف ظهرها، ثم تتكفل بكل مواطنيها خارج أرضها لتجمعهم في أرقى الفنادق، وتؤمن لهم العودة لمنازلهم سوى السعودية