تصريحات مثيرة للذعر قالها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في مؤتمر صحفي عن فيروس كورونا، عندما خاطب الشعب البريطاني والعالم بأنهم سيفقدون أحبابهم بسبب هذا الوباء، وأن الفيروس سيستمر في التفشي، وأنهم يواجهون أسوأ كارثة صحية يعيشها الجيل الحالي.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه النظرة التشاؤمية، رغم نجاح الصين ودول أخرى في احتواء المرض، والتصدي لمخاطر الفيروس والحيلولة دون انتشاره؟. الواضح من خطاب السيد بوريس، أن بريطانيا ستنهج نظرية مناعة القطيع، في مواجهتها وحربها على فيروس كورونا الجديد، وهي نظرية تعتمد على أن إصابة 60 % من المجتمع كافٍ لأحداث مناعة جماعية بين المصابين والمخالطين، تكفي لمقاومة انتقال العدوى مستقبلا.

طبعا، خلال فترة تكون مناعة القطيع قد يموت الكثير. وهذا الأسلوب يتم نهجه عندما لا تكون هناك نيّة لصرف مادّي لمواجهة الوباء.


وتكون النظرة المادية عندما يكون الشأن العام تقنية إدارة لا منظومة قيم ومثل ومبادئ، وتصبح الدولة مجرد شركة خاصة، وتكون المصلحة العامة مفهوما مغلوطا للمصالح الخاصة للأفراد، ويصبح السياسي مجرد صورة لناشط يحقق مصلحة حزبه وجماعته.

وفي المقابل، فإن دولا أخرى نهجت طرقا مختلفة في مواجهة الفيروس، والقدرة على احتوائه والتخفيف من تداعياته، ونذكر على ذلك مثالين:

الأول: للدولة التي ظهر فيها الفيروس، وهي الصين، فقد قامت بإجراءات وقائية صارمة، وتزامنت تلك الإجراءات مع عملية البحث العلمي المستمر، وتجربة الأدوية التي أثبتت فعاليتها في معالجة بعض الحالات، وكذلك بناء المستشفيات ودور العزل في أوقات قياسية، والتجربة الصينية ليست بجديدة، فقد كان لهم الدور نفسه في مواجهة وباء سارس الأكثر فتكا قبل سنوات.

إن الخبرة الكبيرة للفريق الصيني دعت دولة مثل إيطاليا إلى الاستعانة بهم في مواجهة الوباء الذي يكتسح إيطاليا وأوروبا، والذي جعل منظمة الصحة العالمية تعلن أن أوروبا هي بؤرة لفيروس كورونا، ومرة أخرى نتكلم عن دول الاتحاد الأوربي التي تقيس الأمور بمنظور مادّي بحت، دون التعمق في الجانب الأخلاقي والإنساني.

والمثال الآخر: للحكومة السعودية التي قامت بإجراءات لا مثيل لها لمواجهة الفيروس، وكانت مثار إعجاب العالم. ورغم أن هذه الإجراءات قد تكلف الكثير في الجانب الاقتصادي، إلا أن التعامل كان يهدف إلى حماية وسلامة المجتمع، دون التركيز على المنظور المادّي. إن إيقاف العمرة والرحلات الخارجية والسياحة وتأجيل الدراسة، وإيقاف الاجتماعات والمؤتمرات والمناسبات والأفراح، والحجر لجميع القادمين من خارج المملكة، كلها أمور ذات تكلفة مالية عالية، ولكن في بلدان قليلة جدا، تجد أن الجانب الإنساني والأخلاقي قد تغلّب وتجاوز النظرة المادية.

الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السعودية، كان لها أثر كبير في احتواء المرض، فنجد أن الحالات التي تم تسجيلها غالبيتها قادمة من خارج المملكة، وغالبيتها أيضا لمقيمين وليسوا مواطنين.

والمرحلة القادمة تتطلب تعاون الجميع مع جهود الدولة لمواجهة هذا المرض الذي سيتلاشى قريبا، بإذن الله. ولعلها مرحلة يجب ألا يكون فيها اجتهادات، وأن تكون المرجعية في مواجهة المرض للقنوات الرسمية والجهات المعنية.

إن حادثة فرز المصلين بأحد جوامع منطقة جازان، وتحليق طائرات درون في المسجد، وارتداء المصلين قناع الوجه، قد تكون إجراءات مبالغا فيها، وتثير الذعر في المجتمع، ولا يوجد حاليا مبرر علمي لها.