اعتاد الناس على ذكر قصص خوف الأوائل البسطاء من المعارف؛ بعضهم –إلى وقت قريب- يظنّ أن الكتب تفسد العقول وتنشر الشكوك، وتحوّل الإنسان من مختلط بالجموع، إلى منفرد بنفسه، من باحث في مجتمع إلى باحث في ذاته. وما علموا أن هذه هي قيمة المعرفة وإيجابيتها، أنها تصنع من الإنسان خلقاً آخر. وأنها تخرج العقل من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة. ومن نافلة القول التأكيد على أن السؤال أساس المعرفة وأسها.
يخاف البعض على أبنائهم الصغار من الدراسة أو الابتعاث. يظنون أن سنّ الابتدائية مخصص لفك الأمية فقط. بينما يمكن استثمار المرحلة الابتدائية بغرس المعارف المتعددة وعلى رأسها اللغات. فهي مرحلة الجاهزية الذهنية لنقش اللغات المتنوعة والمختلفة. بدليل أننا قبل أيام سعدنا بمجيء أصغر طفلة من مبتعثها لقضاء إجازتها مع أهلها، "العنود" التي لا تتجاوز عشر سنوات، عادت بعد أن أتمت تعلم اللغتين الإنجليزية والصينية.
حتى الصحف الصينية مثل صحيفة ديلي بكين، وصحيفة بكين نيوز أجرت حوارات مع تلك الطفلة. وأجرت إحدى المحطات الفضائية الصينية مقابلة معها، على ما يذكر الخبر الصحفي المنشور عنها بالأمس. بمعنى أننا أمام نموذج جميل وجاهز للتأكيد على ضرورة تجهيز مدارس حكومية متخصصة بتكثيف التعليم اللغوي لمن أراد أن يحسن لأبنائه وأن يصنع تجاههم معروفاً. فلا أجلّ من تعلم لغات متعددة في الصغر لينهل من معينها في فترة التكوّن والفتوّة والشباب قراءةً واطلاعاً. وهذا أعظم ما يمكن أن يقدمه أب إلى أبنائه.
قلتُ: يظنّ البعض أن في تعليم الأطفال للغات المتعددة أو تخصيص ساعات اختيارية للطلاب الذين يريد أهلهم أن يصبحوا مستقلين بمعارفهم ما يهدد اللغة العربية، وهذا ظنّ خاطئ، وقد شاهدت الكثيرين من الطلاب في الخارج من الذين يدرس أطفالهم في المدارس الأجنبية لم تتأثر لغتهم العربية، لأنها أصبحت مرسومة ومنقوشة في الذهن.
قال أبو عبد الله، غفر الله له: التعليم الجيد وامتلاك سلاح اللغة هما اللذان يحرران أبناءكم من عبودية الاستغلال الوظيفي الاستهلاكي بعد التخرج، هما اللذان يمنحانهم الاستقلال المادي والعملي، هما اللذان يجعلانهم يشعرون بقيمتهم كأفراد. وأظنّ أن في طموح المبتعثة الصغيرة ما يكفي للتأكيد على هذا، فهي عادت لقضاء إجازتها مع عائلتها، ولديها سلاحان، سلاح اللغة الصينية، واللغة الإنجليزية.