قد لا أملك دليلاً على قضية اليوم، لأنها مثل كل قضايا الفساد المالي يصعب أن تقيم عليها الدليل، ذاك لأنها سرقات لا تترك من بعدها أثراً، لأن " الحرامي" لا يحفظ شيئاً مثلما يحفظ فقرات القانون عن ظهر قلب. قضية اليوم: ما هو ذنب آلاف المساهمين والمكتتبين في إحدى الشركات الكبرى حين منعت أسهم هذه الشركة من التداول، وللسبب المقابل؟ السبب لأن هيئة سوق المال اكتشفت أن – الملاك – الأساس في رأسمال الشركة لم يودعوا حصتهم فيها. لأن هؤلاء – الهوامير – يريدون ضحكة مزدوجة على الدقون: أن يحتفظوا بحصتهم في حساباتهم البنكية الخاصة وأن يأخذوا أيضاً مقدار ذات الحصة، وربما بالأضعاف، من ذات المكتتبين في طرح الشركة في سوق الأسهم. كيف؟ هي ذات اللعبة البالغة الخطورة في سواد الشركات التي تطرح للاكتتاب. الإجراءات المتبعة أن تخضع الشركة الجديدة إلى تقييم لأصولها وممتلكاتها ومن ثم تحديد مقدار علاوة الإصدار فوق القيمة الاسمية للسهم، وهي في العادة ما نعرفه جميعاً عن العشرة ريالات. وبكل تبسيط فهنا تكمن قواعد اللعبة، لأن تقدير حجم الأصول والممتلكات يخضع لمضاعفات مركبة بأضعاف القيم الحقيقية، وفي هذه الحالة ينتهي طرح رأسمال الشركة إلى (الحسنيين)، بالنسبة للمالك الأصل أو الملاك في كل الحالات: يحصلون من ريع الاكتتاب على أضعاف ما دفعوه من قبل في رأسمال الشركة ويحتفظون في نفس الوقت بحصصهم من الأسهم التي لم تطرح في ذات الاكتتاب، لأن المطروح لا يمثل إلا نسبة مئوية معروفة ومحددة من رأسمال الشركة. وبكل تبسيط أيضاً، فإن الشركة التي لا تساوي مجموع أصولها – مثالاً – مئة مليون ريال تطرح بنصف مليار لنصف الأسهم، وهذا يعني أن الملاك الأصل سيخطفون خمسة أضعاف ما سبق أن دفعوه ويحتفظون فوق ذلك بنصف قيمة الشركة. هذه التقديرات الخاطئة، وعن عمد وقصد، هي ما هوى بما لا يقل عن عشرين شركة إلى ما دون سعر السهم رغم طرحها في السوق بخمسة أضعاف قيمته بكذبة علاوة الإصدار. هذه هي أسرع طريقة لصنع – الهوامير – الجدد، ومع هذا تمادت هذه الصناعة إلى الطمع فيما كان من المستحيل: ألا تدفع حتى حصتها من رأس المال مثلما كان في القضية حول تلك الشركة.. إنها الضحكة الكاملة!