أقولها وأعيدها دون ملل أو كلل، وكما قلتها من قبل، إن أهلنا في فلسطين لن يجدوا «أصدق من الموقف السعودي» في دعم قضيتهم، وفي احترام قرارهم الذي يقررون خلاله مصيرهم، وتقدير حرية اختيارهم لموقفهم المناسب الذي يؤمنون به، لتحرير أراضيهم واسترداد حقوقهم وأراضيهم المحتلة، وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية. وهم يعرفون جيدا موقف بلادنا السعودية، الذي يقدم لهم الدعم الدائم، والمساندة المستمرة على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الموقف السياسي، ويعرفون أنه موقف ثابت ودائم ومعلن ولن يتغير، ولعل من تابع الاجتماع الطارئ الأخير لوزراء الخارجية العرب داخل جامعة الدول العربية،

لبلورة موقف عربي موحّد إزاء ما تسمى بصفقة القرن، فقد سمع وشاهد ما يؤكد الموقف السعودي، حينما تحدث الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس، في كلمته التي أوضح عبرها للمجتمعين، أنه تلقى اتصالا من الملك سلمان بن عبدالعزيز، يجدد فيه موقف السعودية لدعم قضيتهم، وأن موقف المملكة تجاه قضيتهم يزداد دعما ولم يتغير، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز «طيب الله ثراه»، إلى عهد سلمان بن عبدالعزيز، وقد أتى الاتصال عقب إعلان الرئيس ترمب فورا، لما أسماه صفقة القرن، التي صفق لها بحرارة كبيرة بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، ولم تكن ابتساماته العريضة وهو يستمع إلى إعلان السيد ترمب للصفقة، إلا لأنها أتت وفق تصورات الإسرائيليين، ومطابقةً لأهدافهم ومحققة أحلامهم، بينما هي لا تقدم شيئا للفلسيطنيين أصحاب الحق، سوى تسكينهم في «كانتونات» لا يمكن العيش عليها، ولا يمكن تسميتها في الأساس بدولة، فلن تكون لها عاصمة، وليست أكثر من دولة مقطعة الأوصال، دولة بلا سلاح، دولة بلا جيش، دولة دون حدود، وهل هذه تفاصيل دولة عضو في الأمم المتحدة. لهذا، كان من الطبيعي ألا يقبل الشعب الفلسطيني بالصفقة، وهو من قدّم التضحيات الكبيرة، وناضل لقضيته، وما يزال يناضل، رغم الفرقة والشتات اللذين يعيشهما الفلسطينيون داخل أرضهم، نتيجة الانقسامات في المواقف السياسية بين فتح وحماس، رغم وحدة الهدف عند كل الفلسطينيين في تحديد مصيرهم. لكن -دون شك- فإن هذا الانقسام جعل العدو الصهيوني يستغل ذلك الخلاف، ليزيد من تشرذم الموقف الفلسطيني، ويحقق مزيدا من الاستيطان والقتل والتهويد لفرض أمر الواقع.

ولهذا، فأنا أتعجب من بعض العرب الكتّاب والسياسيين، حينما لا يريدون من الفلسطينيين أن يرفضوا صفقة القرن، وهي بهذه التفاصيل الشيطانية، لا تقدم لهم دولة ولو في حدها الأدنى، وأتعجب منهم وهم يستكثرون على الفلسطينيين رفضهم صفقة القرن، وأتعجب حينما يعودون إلى سجلات التاريخ ليذّكروا الفلسطينيين بمبادرات سلام دولية سابقة، وهم يقولون للفلسطينيين اقبلوا صفقة القرن، ولا تضيّعوها كسابقاتها، مع أنهم يعرفون أن إسرائيل هي في الأساس لم تقبل بالمبادرات السابقة، ولم تنفذ قرارات الأمم المتحدة، لا «242»، ولا «338»، ولا «252» ولا غيرها، ورفضت مبادرة العرب للسلام التي قدمتها السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه.


لماذا هؤلاء لا يتركون لأهل فلسطين -دون تشنيع أو تقليل أو تدخل أو إملاء- أن يعبروا عن قرارهم، ويحددوا موقفهم الرافض لصفقة مفصلة بمقاييس إسرائيلية، ولا ترد لهم حقوقه ولا تقيم لهم دولتهم، دون التقليل من موقفهم الذي يرفض صفقة خاسرة. لماذا بعض العرب لا يتعلمون من موقف بلادنا، فلا يتدخلون في موقف الفلسطينيين، ويحترمون موقفهم، ولا يقررون نيابة عنهم، ويقفون معهم بصدق ووضوح، تاركين للفلسطينيين أنفسهم أن يحددوا ما يرونه في مصلحتهم ومصلحة قضيتهم، لاستعادة حقوقهم، ولن يجدوا من السعودية سوى الدعم لقضيتهم لإيمان السعودية التي هي قلب العالم العربي والإسلامي، بعدالة قضيتهم التي تعدها قضيتها، ولو عاد أولئك إلى التاريخ واستحضروا مواقف الإسرائيليين بدلا من لوم الفلسطينيين، لوجدوا أن الإسرائيليين لا عهد لهم ولا ذمة، ولا يمكن الوثوق بهم، ولا بوفائهم للوعود والمواثيق والعهود، والتاريخ لا يكذب.

ختاما، قالها مندوب المملكة في هيئة الأمم المتحدة، معبّرا عن موقف بلادنا الثابت «نحن نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون، ونرفض ما يرفضونه».. عاشت بلادي.