قرأت مؤخرا تصريحا لأحد المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية يتحدث فيه عن اهتمام الوزارة في تعاملها مع كبار السن والذي يتضح في حرصها على تحقيق "الحياة الكريمة لهم في إطار تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة"، ثم ذكر أن الوزارة "ترفض استقبال ضحايا عقوق الوالدين في دور الرعاية الاجتماعية"، وأضاف أنه "من شروط الالتحاق بالدور هو عدم وجود عائل للحالة من الدرجة الأولى، وأنه توجد حالات قليلة قبلت ممن ثبتت حاجتهم لخدمات الدور بسبب عدم كفاءة الأبناء لرعايتهم لصغر السن أو لسوء وضعهم الاجتماعي غير السوي"... ونحن نقدر الجهود التي تقدم ونشكرهم عليها رغم تحفظنا على طرق التنفيذ، ولكن السؤال الذي يجب أن نركز انتباهنا عليه: أليس عقوق الوالدين بحد ذاته من الحالات غير السوية؟

إنهم يجعلونك تعتقد بأنك حين تقرأ التصريحات عن الدور بأنها فنادق خمس نجوم، الخدمة مستمرة أربعا وعشرين ساعة، وهناك ممرضون وأطباء وعلاج طبيعي أو حتى غير طبيعي يقدم لهم، والأدوية متوفرة لا تنتهي صلاحيتها إلا بعد خمس سنوات على الأقل، هذا مع خدمة مطابخ درجة أولى، ولحظة.. لحظة، يجب ألا ننسى النظافة والترتيب، وديكورالغرف، وألوان الجدران الزاهية والتي تتناسق مع عفش الغرف، فكل نزيل له جناحه المستقل حفاظا على راحته وكرامته، فهم بالطبع يقدرون أن كبار السن قد تصدر عنهم سلوكيات تحرجهم أمام الغير وتسبب لهم الألم النفسي حين يكون هنالك من يراقب، ويا سلام على المساحات المفتوحة المزينة بالحدائق والنوافير والطيور التي تسبح الخالق بأنغام ينشرح لها قلب المسنين كل صباح وعند ولادة كل مساء! بمعنى أن دور المسنين عندنا، جنات يتمنى الشباب دخولها، خاصة بعد ارتفاع تكاليف الحياة المرعب ونسب البطالة التي يشيب لها الولدان... فكيف بالشياب!

يا ناس احترموا عقولنا وحدثونا بما يعقل! هل تعتقدون أنه لم يقم أحد منا بزيارة هذه الدور ولم ير الجنة التي يعيش فيها من يفترض أنهم يعيشون السنوات الذهبية من أعمارهم، وفي مجتمع مسلم قبل أن يكون إنسانيا؟! ثم ما هذا التعارض في التصريحات: تقبلونهم أم لا تقبلونهم؟ والله احترنا! ومن قال إنه من حقكم أن ترفضوا أي حالة تحضر أو حتى "تجر" إليكم جرا؟!

إن كل مسن تحت سماء هذا الوطن، له الحق بعيش كريم، وإن حدث أن أصبح ضحية لا سمح الله، فمن واجبنا كمجتمع إسلامي متحضر وإنساني، ممثلا بمؤسساتنا العامة والخاصة أن نصحح هذا الوضع، وفورا. وهذا يشمل عدم رفض أي حالة، وألا ننتظر حتى يأتوا إلينا، فكلما سمعنا أو رأينا مثل هذه الحالات وجب أن نحولها إلى حيث يجب أن تكون في أمان وراحة، والتي يجب أن نراقبها ونحاسبها لكي تكون كذلك، لأنه وببساطة لم نعد نصدق كل ما يقال حتى نتأكد بأنفسنا، وإن رأينا أي تقصير وجب أن نطالب بتلافيه، ليس من أجلهم فقط بل من أجلنا أيضا، من أجل يوم سنقف فيه أمام المنتقم الجبار ونحاسب على تقصيرنا نحوهم... ولنمنحهم الكرامة، هل حق الكرامة مفهوم لا ندركه إلا داخل إطار حياتنا؟! لن أردد ما جاء في كتاب الله العزيز الحكيم، ولن أسرد أحاديث نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، فالغالبية منا قد حفظها عن ظهر قلب، ولكن دعوني أسأل هل دخلت القلب واستقرت فيه أم ما زالت تترنح بين الذاكرة واللسان.. كلمات تُردد، لتتناثر فوق رأس ذاك المسن، أو ذاك العاجز... أو ذاك الإنسان؟!