دخل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في سجال مع قادة أوروبا بشأن مسألة تراجع نفوذ واشنطن، واصفا تصريحاتهم عن انكفاء بلاده عن الساحة الدولية بـ"المبالغ فيها إلى حد كبير"، وسعى في خطابه أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ للتخفيف من حدة القلق الأوروبي بشأن العلاقة بين ضفتي الأطلسي في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. وقال بومبيو إن "الغرب ينتصر ونحن ننتصر معا".

سجال آلماني أمريكي

لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدلى مباشرة بتصريحات مناقضة محذرا من "ضعف الغرب"، وهيمنت المخاوف من تراجع النفوذ في وجه تزايد النفوذ الصيني والروسي على الاجتماع السنوي لقادة العالم وكبار القادة العسكريين والدبلوماسيين لمناقشة التحديات الأمنية. وقبل يوم من افتتاح المؤتمر، أشار الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إلى أن الولايات المتحدة ترفض "حتى فكرة وجود مجتمع دولي" وتتحرّك " على حساب الجيران والشركاء". لكن بومبيو شدد على أن "هذه التصريحات لا تعكس الواقع"، وأضاف "يسرني أن أبلغكم أن فكرة "التحالف بين ضفتي الأطلسي قد مات" مبالغ فيها إلى حد كبير.


ونوّه إلى أن واشنطن تلعب دورا أساسيا في المحافظة على أمن أوروبا عبر تعزيز الأمن في الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي عند الحدود مع روسيا، إضافة إلى قيادة الجهود الدولية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتساءل "هل هذه هي أمريكا التي ترفض الأسرة الدولية؟".

وأضاف "الغرب لديه مستقبل أفضل من البدائل غير الليبرالية"، داعيا حلفاء بلاده لوضع "ثقتهم" في العلاقة بين ضفتي الأطلسي. وشدد بومبيو على الحاجة للعمل بشكل مشترك لمواجهة التهديدات التي تشكلها طموحات روسيا التوسعية من جهة وتعزيز الصين لتواجدها العسكري في بحر الصين الجنوبي من جهة أخرى و"حملات الإرهاب" التي تقودها إيران عبر خوضها حروبا بالوكالة في الشرق الأوسط.

وضم الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرج، الذي تحدّث أمام الحضور في مؤتمر ميونيخ كذلك، صوته إلى صوت بومبيو في الإعراب عن أسفه حيال النبرة المتشائمة التي تبنّاها المجتمعون، وقال "هناك منافسة في مجالات عدّة وبكثير من اللاعبين المختلفين، لكن التحسّر ببساطة على أننا ضللنا الطريق لن يوفّر لنا طريقا إلى الأمام". وشدد على أن "أوروبا وأميركا الشمالية شريكان لا غنى عنهما".

ماكرون: على أوروبا أن تقرر مصيرها

كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المخاوف التي أعربت عنها ألمانيا، وقال إن الولايات المتحدة "تراجع علاقتها مع أوروبا"، مشددا أنه على القارّة أن تتولّى تقرير مصيرها. وأضاف "نحتاج إلى استراتيجية أوروبية تعيد إحياءنا وتحوّلنا إلى قوة سياسية استراتيجية".

هواوي تشعل السجال

وتسلّطت الأضواء على الانقسامات في ظل السجال الذي ازدادت حدته بشأن مجموعة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات، وهو موضوع آخر هيمن على المؤتمر. وضغطت واشنطن بشدّة لإقناع الدول لمنع هواوي من تأسيس شبكاتها من الجيل القادم لإنترنت الهواتف المحمولة "5G"، مشيرة إلى أن معداتها قد تستخدم للتجسس لصالح بكين.

وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن هواوي مجرّد "نموذج" لاستراتيجية الصين "البغيضة" للتسلل والهيمنة على البنى التحتية الغربية المهمة. لكن حلفاء رئيسيين بينهم بريطانيا وفرنسا قاوموا الضغوط حتى الآن واتفقوا على فرض قيود دون الذهاب أبعد من ذلك وحظر الشركة.

الاعتماد على الطاقة الروسية

واستغل بومبيو كذلك مؤتمر ميونيخ للإعلان بأن الولايات المتحدة ستموّل مشاريع طاقة في دول شرق الاتحاد الأوروبي، كجزء من الجهود الرامية لخفض الاعتماد على الغاز الروسي، وقال إن "الولايات المتحدة تنوي عبر وكالة تمويل التنمية الدولية وبدعم من الكونجرس تقديم ما يصل إلى مليار دولار من التمويل لدول وسط وشرق أوروبا الأعضاء في مبادرة البحار الثلاثة". وأضاف أن "الهدف هو تحفيز استثمار القطاع الخاص في قطاعات الطاقة التابعة لها (الدول الأعضاء في المبادرة)". وتضم المبادرة 12 دولة في شرق ووسط الاتحاد الأوروبي ازداد قلقها من نفوذ روسيا منذ ضمت موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.

وخلال اجتماع "مبادرة البحار الثلاثة" في 2017، عرض ترمب تقديم الغاز الطبيعي الأمريكي المسال إلى المجموعة حتى لا تكون دولها "رهينة" الإمدادات الروسية، ويأتي عرض واشنطن في ظل معارضة أمريكية شديدة لمشروع أنابيب غاز "نورد ستريم 2" (السيل الشمالي 2) الروسي الذي يهدف إلى مضاعفة عمليات إيصال الغاز الروسي إلى ألمانيا. وترى واشنطن أن خط الأنابيب سيزيد نفوذ روسيا في ما يتعلّق بقضايا أمنية واقتصادية في غرب أوروبا.