عندما ذاعت في فترة ما قصص عن اغتصاب عدد من الصغيرات القاصرات وجد الكثيرون الحكايات برمتها صعبة التصديق، إذ كيف ينجح رجل في خطف وإغواء الصغيرات بهذه السهولة ولفترات طويلة دون أن يقبض عليه أحد؟ والأكثر إثارة للاستغراب كان مشاهدة الفيديوهات من كاميرات المراقبة في المجمعات التجارية وهي تظهر بعض الفتيات الصغيرات يمشين خلف الرجل أو معه بهدوء ودون ضجة! فالصورة الذهنية المتكونة لدينا عن حالات الاختطاف هي مشهد لرجل مخيف على شاكلة المجرمين يختطف الصغيرات عنوة وسط الصراخ والبكاء وفي غفلة من الناس في أماكن نائية، لكن هل هذه الصورة المتخيلة تطابق ما يحصل على أرض الواقع فعلاً؟
الأشخاص المولعون بممارسة الجنس مع الأطفال والمتورطون بهذه الجرائم غالباً ما يكونون أبعد الناس عن دائرة الشك، وهنا تكمن الخطورة، فمن السهل جداً أن يكسبوا ود الصغار وثقة الكبار، بحيث لا يثيرون الانتباه لجرائمهم ولا لقلوبهم المريضة، وهم أذكياء جداً ومتيقظون ويخططون لجرائمهم ببراعة فائقة.
الذي أعادني إلى الحديث عن هذا الموضوع قصة مرعبة سمعتها مباشرة من إحدى الأمهات عن عملية فاشلة لاختطاف صغيرتها تحت سمعها وبصرها دون أن تستوعب ما كاد يجري. فقد مر شاب يستقل سيارة فارهة ـ لا يقل سعرها عن ربع مليون ريال سعودي ـ بالأم وأطفالها أثناء انتظارهم لقدوم سيارتهم عند مجمع تجاري، فعلقت ابنتها الصغيرة ببراءة وبطريقة مهذبة عن جمال هذه السيارة المدهشة، وهنا أرخى سائق السيارة زجاج سيارته وشكر الصغيرة على لطفها وأدبها.. ثم وجه حديثه للأم مثنياً على تربيتها للصغيرة وتعليمها آداب الحديث.. وبعدها سأل الأم بأدب مستئذناً إياها في أن يعطي الصغيرة لصقة من تلك التي توضع على دفاتر الصغار؟ فلم تعترض الأم وشكرته الصغيرة، فسألها إن كانت تريد أن ترى سيارته الجميلة من الداخل؟ وهنا أحست الأم بحجم الخطر وبأن الأمور تتطور بشكل غير متوقع.. وبدأت تفكر: "ولكن لماذا يحتفظ شاب ثري بورقة ملصقات للفتيات في سيارته؟" وقبل حتى أن تعترض الأم كانت الطفلة التي استلطفت على ما يبدو هذا الشاب قد قفزت للمقعد الأمامي للسيارة وهي تتأملها بدهشة، وهنا بدأ الشاب يتحدث من جديد عارضاً على الأم أن يأخذ الطفلة في جولة سريعة في هذه السيارة التي سلبت لبها؟! لكن الأم لم تنتظر هذه المرة فصرخت معترضة وسحبت ابنتها بقوة وانطلقت نحو سيارتها مع بقية أطفالها وقلبها يكاد ينخلع من تلك اللحظة من عمر الزمن الذي بدا فيه بأن عقلها قد تجمد، وكادت صغيرتها تُخطف منها وهي تتفرج! وإذا به يطلق ضحكة خبيثة ويقول لها: معك كل الحق أن تخافي عليها فهي فاتنة! (لم يستخدم كلمة فاتنة وإنما كلمة أخرى ذات مدلول جنسي). وبعدها كانت لها جلسة طويلة مع صغيراتها لإفهامهن حقيقة ما حدث، وأن ذلك الرجل الطيب لم يكن طيباً وليس صديقهن ولا ينبغي أن يتحدثن مع غريب ولا يأخذن منه أي شيء.
ما أزعج الأم في هذه القصة وجعلها تلوم نفسها كثيراً هو كيف يمكن أن تُستغفل بهذه السهولة من قبل هذا الشاب؟ لم تبدُ عليه علامات الإجرام أو كونه غير سوي، ثم كيف فاتها وسط كل تلك الدراما أن تأخذ رقم السيارة؟ الأمر برمته حصل بسرعة مدهشة.. وهذا المرعب في الموضوع كله. المؤسف أنها ستشاهده من جديد دون أن ينتبه لها وهي في مجمع تجاري آخر بعدها بفترة غير قصيرة، وهو يتفرج بعين فاحصة على العائلات التي تتسوق مع أطفالها وكأنه يترصد لفريسة.
عندما انتهت الأم من رواية حكايتها شعرت بالقلق، لأنني أعرفها وأعرف أنه ليس من السهل استغفالها، فإذا كانت قد وقعت في الفخ فهذا يعني أنه لا أحد آمن! أرعبني أيضاً أن المجرم لا يزال طليقاً وما زال يمارس هوايته القذرة هذه. أيضاً استغربت جرأته الشديدة ووقاحته وعدم خوفه أو تردده، فالأم قد شاهدت وجهه واستمعت لصوته وتستطيع التعرف بسهولة على سيارته، ومع ذلك لم يكن يبالي! فإما أنه لم يكن في حالة طبيعية منحته هذه الثقة الزائدة كأن يكون تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو أنه يعتقد أن عائلته الثرية تستطيع أن تخرجه من أية ورطة.. مهما يكن، فمن الواضح أن قضايا التحرش بالصغيرات لم تعد حوادث فردية، بل صار لها وجود حقيقي في المجتمع، ولا بد من التعامل معها، ليس على أنها ظاهرة، لأنها ليست كذلك، ولكن على أنها جريمة موجودة، بل قد تكون أبشع الجرائم على الإطلاق، فهي جريمة ضد الطفولة، ولو تعرضت طفلة واحدة فقط لهذا الأمر لاستحق أن يستفز مجتمعنا، فما بالنا إذا كانت هناك أكثر من ضحية؟
التحرش بالصغيرات يمكن أن يقع داخل العائلة أو خارجها، ومعظم المتحرشين، كما ذكرنا، هم أبعد الناس إثارة للشبهات، وهنا تقع المسؤولية في نشر الوعي على الوالدين (هذا على افتراض أن التحرش لا يحصل من الأب أو الأم وإلا كانت المصيبة أعظم)، ومن ثم على المدارس، وخاصة في المراحل الأولى من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الابتدائية تعليمهم الحذر من التعامل مع الغرباء، وماهية التحرش الجنسي بأبسط صورة مناسبة لأعمارهن أو أعمارهم، فالأولاد ليسوا بأوفر حظاً من الصغيرات في هذا الأمر.
وعلى مستوى المجتمع أيضاً نحتاج إلى تسليط الضوء بلا خجل على هذه الأمور في الإعلام، ومن خلال الحملات التوعوية للكبار، وذلك بطريقة علمية ومنهجية، فالغرض ليس إشاعة الرعب بين الناس، أو إساءة فهم الآخرين بحيث نفسر كل لطف من الكبار على أنه تحرش جنسي، وإنما نشر الوعي لتبقى عيوننا وعيون صغارنا متيقظة لأولئك الذئاب الذين يتنكرون في هيئة الحملان.