الناظر في الصلات السياسية والاقتصادية للعرب الجاهليين، بالأمم المجاورة، يكتشف أنهم لم يكونوا معزولين عن الحضارات القريبة والبعيدة عنهم، وأن عقدة الأجنبي لم تكن موجودة في عقول أولئك، وأن العوامل الطبيعية لم تقف حائلا بينهم وبين العالم من حولهم، وأنهم قادرون على التعايش مع الآخر، برغم اختلاف الثقافات.

وعندما نتأمل في طرق الاتصال بين العرب وغيرهم من الأمم، فإننا نجد الاقتصاد على رأس هذه الطرق، والعلاقة الاقتصادية ـ هنا ـ علاقة مصلحية من كل الوجوه، فالجزيرة العربية ممر مهم للسلع التجارية، حيث تقع الصحراء العربية على أقصر الطرق بين أقاليم منتجة، وأخرى مستهلكة.

ويفيض الباحثون في وصف الممرات التجارية عبر الجزيرة العربية، وتحديد مساراتها، ومواد تجارتها، مما يدل على صلة اقتصادية مستمرة، وحركة تجارية نشطة أسهمت في نموِّها تلك المسطحات المائية المهمة التي تشرف عليها جزيرة العرب، لتكون هذه البحار الاستراتيجية طرقا للاتصال بالأمم الأخرى على الأطراف المقابلة التي سيطر على تجارتها البحرية تجار تلك الأمم.

ومهما يكن أمر أهمية التجارة البحرية في بعض الفترات التاريخية فإن الطرق البرية كانت أكثر أمنا وتنظيما لأن تجارتها محروسة.

ومن مظاهر الصلات الاقتصادية العربية بالأمم المجاورة، ذلك الدور الذي كان يقوم به غير العرب في التجارة الداخلية لجزيرة العرب، إذ إنه على الرغم من أن العرب كانوا يقومون على نقل تجارتهم بأنفسهم، إلا أن بعض المؤرخين يشيرون إلى وجود نقوش متفرقة تدل على وجود شخصيات تجارية أجنبية سواء في جنوبي الجزيرة العربية، أو شرقها، أو شمالها، وأكثر هذه الشخصيات التي تشير إليها تلك النقوش هم من الهنود أو الرومان.

ولقد أسهمت العلاقات السياسية لبعض القبائل والممالك العربية بكل من: الروم والفرس في تعزيز التبادل التجاري العربي مع هذه الدول، فإمارة المناذرة في الحيرة كانت على صلة وثيقة بالفرس، فيما كان الغساسنة في الشام على صلة وثيقة بالروم، ومن البدهي أن تكون هذه الصلات السياسية عوامل قوية تدعم التبادل الاقتصادي وتزيد نشاط الحركة التجارية.

وعندما تُربط علاقة التبعية السياسية للمناذرة والغساسنة بكل من الروم والفرس بأسبابها الاقتصادية، يظهر أن هذه العلاقة لم تكن إلا بسبب من ضرورة الحماية التجارية لقوافل الإمبراطوريتين العظيمتين، الأمر الذي يُدخل هذه الصلة السياسية في باب الصلات القائمة على المصالح المشتركة.

وعند إمعان النظر في الشعر العربي الجاهلي، تظهر إشارات عديدة إلى هذه العلاقات ـ بأكثر من طريقة ـ وما يتبعها من فوائد اقتصادية وسياسية، حيث يستخدم الشعراء الإشارة إلى هذه العلاقات في مواطن الذم إن هم أرادوا الهجاء، وذلك من خلال سيطرة معاني الذل والتبعية على هذه القصائد، وقد يشيرون إلى هذه العلاقات في مواطن المدح عندما تسيطر معاني النيل والأخذ والتكسب والثراء.

السؤال: أيان بعضنا من أجدادنا؟