بعد مضي نحو سبعة وثلاثين عاما على أمر الملك فيصل - رحمه الله - والقاضي بتعيين الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة عسير، وقع الاختيار في شهر ربيع الثاني عام 1428على تعيين ابن الشهيد الفيصل الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أميرا لمنطقة مكة المكرمة خلفا لعمه الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز - رحمه الله- والحقيقة بأن من يعرف الأمير خالد الفيصل عن قرب يحزن على فراقه وينتابه الحزن والقلق على فراقه أولا، ثم على مصير منطقة عسير الهامة برجالها ومكانها، لأن الأمير خالد الفيصل كان طوال عمله في المنطقة متوقدا حيوية ونشاطا وذكاء وعطاء.
شبل من ذاك الأسد
عند صدور الإرادة الملكية الكريمة بتعيين الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أميرا لمنطقة عسير خلفا لأخيه الأمير خالد الفيصل في 18 / 4 / 1428، شعر أهالي جبل عسير الأشم بالطمأنينة والدفء لا سيما وأن المجتمع السعودي يذكر سنوات حكم الملك خالد بن عبدالعزيز والذي عاشت المملكة في عهده طفرة غير مسبوقة، وبالتالي فإن المثل القائل: (هذا الشبل من ذاك الأسد) قد تحقق لأهالي المنطقة.
خير خلف
بدأ الأمير فيصل بن خالد عطاءه في منطقة عسير فعلياً في 13 / 6 / 1424، عندما عُين نائباً لأمير منطقة عسير حيث بقي في هذا المنصب قرابة الأربعة أعوام كان سموه خلالها يسبُر الأمور الإدارية، والتنموية، والأمنية، والتعليمية، والصحية، وكل ما يتعلق بشؤون المجتمع في السراة وتهامة، وفي شرق وشمال المنطقة، فكان خير خلف لخير سلف، فعمل على استقطاب المواطن والمواطنة وأشعل فتيل الحماس في المجتمع الشبابي نحو آفاق العلم والمعرفة وأمر بتأسيس مجلس شباب منطقة عسير وهو المجلس الأول من نوعه على المستوى المحلي والعربي، وعمل على تشكيل لجان متخصصة لدراسة أوضاع الشباب وإيجاد المتنفس الجاذب لهم حيث وجه الإمارة وهيئة الأمر بالمعروف وجامعة الملك خالد وبعض القطاعات الأمنية والرياضية والتنموية بإجراء كل ما يلزم تجاه هذه الشريحة المهمة والملهمة، فكانت النتائج مُبشره بالخير وظهرت للجميع إبداعات الشباب في مجال التفوق العلمي والأدبي والثقافي، كما ظهر تميز شباب عسير وفتياتها في مجال الرسم التشكيلي، والشعر الفصيح، والنبطي، وتبينت مقدرتهم على الإبداع في مجال الاختراع وغير ذلك من الإنجازات، وفتح الأمير فيصل بن خالد الباب على مصراعيه للأسر المنتجة والتحق بهذه المهنة آلاف الذكور والإناث وأحيا عشق التراث والموروث العسيري وشجع ودعم هذا المسار من خلال مجلس التنمية السياحية بالمنطقة والمجالس الأخرى ذات العلاقة.
ويحسب للأمير فيصل بن خالد استقطاب المجتمع بدماثة خلقه ومنح المسؤولين الثقة كاملة غير منقوصة مع محاسبة المقصرين والمتجاوزين، فيما كان يفتح أبوابه المتعددة في مكتبه ومنزله وضيافته ليسمع الرأي والمشورة والمقترح ويناقش كافة المسؤولين بشكل يومي وأسبوعي ودوري ويلزمهم بتقديم التقارير اللازمة عن مستوى الأداء.
إنجازات عملاقة
من أبرز إنجازات الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز خلال فترة إمارته للمنطقة حسب ذاكرتي الآتي:
-1 إنجاز مشاريع الخزن الإستراتيجي المائي لأغلب مدن ومحافظات ومراكز وقرى منطقة عسير.
-2 إنجاز مشروع توسعة طريق عقبة ضلع المحاذية لواديي ضلع وعتود لما يقارب من 38 كلم.
-3 إنجاز مشروع تحسين طريق أبها-الخميس السريع وإزالة الإشارات الضوئية.
-4 إنجاز مشاريع تقاطعات بني مالك عسير والخميس والضباب مع الحزام الدائري.
-5 إنجاز مطل الضباب.
-6البدء في مشروع طريق السودة.
-7 إنشاء كم كبير من المباني المدرسية على مستوى المنطقة وسعى لإنهاء الارتباط بالمستأجرة.
-8 إنشاء جامعة بيشة والتوسع في التعليم الجامعي في أغلب محافظات المنطقة من خلال فتح الكليات للبنين والبنات.
-9 إنجاز توسعة طوارئ مستشفى عسير المركزي، وإجراء صيانة نوعية لكامل جسد المستشفى والمرافق التابعة له، واعتماد مشاريع مراكز الإصابات والغدد والسكري والطب المنزلي وطب الأسنان وتوسعة المواقف المجاورة لمستشفى عسير.
10- إنشاء مستشفى الولادة بأبها ومستشفى النساء والأطفال بالمحالة.
11- إنشاء مركز الأمير فيصل بن خالد لأمراض وجراحة القلب بأبها.
12- التوسع في إنشاء مشاريع المستشفيات الخاصة بأبها بمواصفات عالمية وأغلب هذه المشاريع تشيد حالياً على الحزام الدائري بأبها.
13- إنشاء مبان لعدد من الإدارات الحكومية ومنها مبنى التخصصات الطبية، وهيئة الرقابة والتحقيق، وشرطة منطقة عسير، وهيئة الأمر بالمعروف، والمياه، وغير ذلك من مباني القطاعات على مستوى المنطقة.
حل معاناة تهامة
لا يقتصر عطاء الأمير فيصل بن خالد على ما ذكر فقد كنت أحد أعضاء مجلس منطقة عسير في دورتين سابقتين وقد عرضت على الأمير فيصل بن خالد بشكل خاص معاناة قطاع تهامة، فما كان منه إلا أن وجه بتخصيص جلستين لمجلس المنطقة لبحث أوضاع تهامة وتوجيه كافة القطاعات بتقديم الخدمات اللازمة للسكان.
الأمير فيصل بن خالد وعلى امتداد 16 عاما لم يغضب على مواطن، وكان صاحب خشوع، وعاطفة جياشة، وعينه تدمع من ذكر الله، وله باع طويل في الأعمال الخيرية والإنسانية، ولم يُعرف عنه أخذ شبر واحد من مساحة المنطقة، ولم يظلم ولم يُحقر ولم يؤذِ أحدا، حيث ينتهج مسار الاستصلاح والستر والنفس الطويل، كان صاحب ظل خفيف.
لحظات الوداع
ودع أبوخالد أبها ومنطقة عسير دون ضجيج لأنه يؤمن بالبساطة وأن ما قدمه لمنطقة عسير لا يتجاوز واجبه الوطني والإنساني والأخلاقي، لا ينسى المجتمع العسيري وقفاته تجاه أسر الشهداء والمصابين والمرابطين، وموقفه التاريخي من التفجير الآثم الذي استهدف مسجد قوات الطوارئ بمنطقة عسير، حيث تواجد الأمير في قلب الحدث في زمن قياسي حتى أن البعض يذكر بأن الأمير سبق مجيئه بعض الأجهزة المختصة، والجميع يحمد له حسن تعاطيه مع حادث سقوط طائرة الأمير منصور بن مقرن ومرافقيه، رحمهم الله. وبذلك شكل تلاحما مع المواطنين لا ينسى بعد أن شكلوا معه توأم النجاح وسمو الأفعال.
تركي وروح الفريق
أخيرا أشرق يوم 10 /6 /1439، وسطع نجم الأمير تركي بن طلال أميرا لمنطقة عسير ليقوم بمهام الإمارة خلفا لأخيه الأمير فيصل بن خالد فكان مثالا للإخلاص والتفاني، حريصا على الإبداع والعطاء والعمل بروح الفريق الواحد.
الأمير تركي كان خير خلف لخير سلف، إذ لا يعترف بالإجازات ولا يحول بينه وبين أداء عمله إلا ما تيسر من أوقات النوم المتقطع، وأبناء عسير شهود ويعترفون بجودة مخرجاته وأنه أكمل مسيرة السابقين من إخوانه الأمراء، خالد الفيصل، وفيصل بن بندر، وفيصل بن خالد، ومنصور بن مقرن، رحمه الله.
أعان الله الأمير تركي بن طلال ووفقه لكل خير لخدمة الوطن والمواطن.
(عضو مجلس منطقة عسير سابقا)