وأشكر من الأعماق، معالي رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام، على استجابته السريعة لمقالي حول – ثغرة القانون – في جسد الهيئة وتجاوبه الموجب مع رؤيتي التي وصفها بالحادة. ونادر جدا ما أعود للكتابة مع تجاوب المسؤول. أولا لأن تفاعلهم مع ما يكتب لا يشبه إلا نزول البرد على أطراف الليث وثانيا، لأن المسؤول عادة ما ينثر العتب ويضع الكاتب في التهمة الجاهزة بالكتابة عما لا يعرف. أحببت في تجاوب معالي رئيس هيئة الادعاء العام أنه كان موضوعيا وفاتحا صدره للنقاش بلا تأطير أو حدود. والواقع أنهم يعملون أمام تحديات جوهرية، وبحساب الوقت، فقد اقتنعت أن محققي هيئة التحقيق والادعاء العام هم أكثر موظفي الدولة زحاما إذا ما عرفنا أنهم يستقبلون في غرفهم كل قضايا هذا المجتمع المختلفة ولست مبالغا إن قلت إن كل دقيقة من يومنا تحمل معها قضية حقوقية تنتهي إلى دائرة التحقيق. حفظت لمعاليه حقوقه لأنه يستحق ولأنه يعمل بجهد دؤوب على تطوير الجهاز ومثلما قال لي أحد الأصدقاء المشتركين فيما بيننا فإن معاليه يعمل بمكتبه حتى ليكاد آخر – المعالي – خروجا من المكتب.

تبقى قصة الاختلاف في الرؤية وسأستعرضها في نقطتين: الأولى، أنني لا أعترض مطلقا على أن – مدنية – هيئة التحقيق هي الجانب الإنساني من حقوق الإنسان، وللمتهم، مهما كانت (الجُنح) أن يخضع للتحقيق في ظروف إنسانية تحفظ له كرامته. قصة اختلافي هي في الآليات لأنني أرى أن المسافة ما بين انتهاء التحقيق ورفع الأوراق وبين الجلوس أمام القاضي لإصدار الحكم تبقى فترة طويلة تسمح بهامش زمني واسع لتمييع القضايا وأوامر حفظ الأوراق وبالتالي أصبح المجرم مدركا أنه أمام فسحة زمنية قد تخرجه من العقاب وأسوأ الرسائل هي أن يستقبل المجرم رسالة اطمئنان خاطئة. والحق، أنه لا ذنب لهيئة التحقيق في هذه الآلية بقدر ما هي مسؤولية القضاء ونحن كمجتمع بكل صدق تسيطر علينا هواجس الخوف لأن تدوير القضية بهذا الشكل يساهم في ازدياد عدد الجرائم طالما فهم المجرم أنه لا يوجد عقاب فوري لجريمته.

الثانية، أننا نستورد الفكرة دون أن نستورد معها الآلية. أخذنا من تجارب العالم من حولنا فكرة هيئة التحقيق و(المدعي المدني العام) ولكننا لم نأخذ معها الآلية التي تضمن نظاما قضائيا فوريا يضمن حصر المدة ما بين الدائرتين ويحفظ للمجتمع حقوقه في الفكرة الوقائية السريعة من الإخلال الأمني.

ينتهي، مثلا، مروج المخدرات من أروقة المدعي العام في ظرف سويعات ثم يخرج طليقا لأشهر حتى موعد الجلسة القضائية. هذه هي الثغرة التي أعنيها في جسد القانون ولكم أن تحكموا من يتحمل هذه المسؤولية.