أن يتنازل الإنسان عن جنسيته فهذا شأنه وقراره، وأن يختار له موطناً جديداً فهذا اختياره المتلائم مع ما فقده في وطنه الأصلي، لكن أن يبدأ قبل أن يجف حبر تنازله في مهاجمة موطنه الأصلي فهذا مثير للريبة والدهشة. مع أنه قال بلسانه إن لا أحد يضايقه أو يحجر عليه في موطنه الأصلي.. ألم ير المتنازل وهو في وطنه الجديد ما يستحق الدراسة والنقد أو الرأي؟ ألم يقل في مداخلة إعلامية إبان ثورة تونس إن جميع الحكومات العربية مكاتب احتلال؟ فهل هاجر من مكتب إلى مكتب مماثل..؟ وهل المكتب الجديد أكثر حرية من المكتب القديم؟ ألم يأل المتنازل جهداً في تسويق نفسه كمفكر للإسلاميين الجدد الذين تبحث عنهم مراكز أبحاث الغرب فهاجم السلفية واعتبرها من أدخلت الوثنية إلى الإسلام واعتبر أن العلماء كهنة والحكام سحرة؟ وزاد على ذلك قبل عامين أن العلمانية والشيوعية فيهما خير عام أو خاص، وعندما بدأ ما يسمى بالربيع العربي رفع سقف مبالغاته حتى وصفه بالفجر الثاني بعد النبوة.

لم يصبر وهو الأكاديمي المثقف لتتضح نتائج هذه الثورات كأي باحث سياسي، بل ركب حصان فكره وأطلقه بلا هوادة مادحاً وعاشقا ومبشراً، لكنه الآن يعيش كآبة أكاديمية.. بعد أن حاول تضخيم أحداث جامعة الملك خالد.. فحلمه بانتقال فجره الثاني إلى وطنه الأصلي لم يحدث، والحرية التي هي مبتغاه فوق الشريعة والدين لم تكتمل، فانطلق بحصانه في مضاربٍ أناخ فيها الكثير من أصحاب المآرب غيره، لكن حصان فكره تآلف مع حصان فكر عضو كنيست إسرائيلي، فتلاقت الأفكار وشفع الإسرائيلي له فخرج للنور منتدى العلاقات العربية والدولية وأصبح مديره.. مكفول محفول.. المطلوب مهاجمة العقيدة ووطنه الأصلي.

بح صوت المتنازل مبشراً بقيم الحرية وفضلها ونواميسها وتقدم الغرب بها.. لكن ما يدعو إلى الاشمئزاز أنه هو نفسه من راجع ووضع اسمه على كتاب (موت الغرب) الذي كتبه باتريك بيوكنان محذرا من نهاية وأفول الغرب بسبب انفلات الحرية.. ألست أنت أيها المتنازل أم إنه تشابه أسماء.. مباركة لك صفقتك.. وخسر بيعك.