إذا كنا نؤمن أنه لا أخلاق في السياسة، فهذا أمر جيد عند الجميع، لكنه ليس كذلك عند من ينطلقون من مرجعية دينية في العمل السياسي، لسبب يسير للغاية هو أن مرجعيتك الدينية تحتم عليك الوفاء بجوانب عدة من المسؤولية الأخلاقية، ما لم يحدث ذلك فكل ما عداه نوع من إهدار البعد الديني لصالح البعد السياسي وتقديم الدين لا كمرجعية لعمل ديني، بل كمسوق لكيان وتوجه سياسي.
في السياسة يحق لك أن تقوم بالمناورات واتخاذ كثير من الأساليب التي لا تخضع لمنطق أخلاقي، فقط عليك ألا تقع في تجاوزات دستورية، وهو ما تفعله الأحزاب والقوى ذات التوجه السياسي المطلق. كان بإمكان الإخوان المسلمين في مصر أن يديروا طموحهم وتوجههم السياسي بشكل أكثر ذكاء، لكنهم واصلوا الوقوع في مطبات توشك أن تفقد الجماعة كثيرا من بريقها والتفاف الشارع حولها، بل توشك على ترسيخ الفكرة القائلة بأن نجاحاتهم في البداية لم تكن إلا بسبب خلو الساحة من قوى أخرى منظمة، لأن الإخوان أثبتوا أنهم يخوضون المعركة باسم الدين بينما يتصرفون بمنطق السياسية، وهو ما لم يلبث أن ظهر جليا في خضم التراجعات وإخلاف الوعود التي رصدها الشارع المصري من قبل الجماعة.
وعد الإخوان بأنهم لن يعلنوا مشرحا للرئاسة ثم تراجعوا عن ذلك، ووعد الإخوان بأنهم لن يستولوا على أكثر من 30% من لجنة صياغة الدستور واستحوذوا على 70%، وتم كل ذلك عبر مواقف وتصريحات زادت صورة الجماعة ارتباكا لدى المصريين. ظلت الجماعة ترى في نفسها الممثل الأبرز في مصر للعمل الإسلامي، وهو ما أصابها بالذعر وهي تشاهد الحضور البارز لحازم صلاح أبو إسماعيل القيادي السلفي الذي استطاع أن يجتذب الكثير من القبول في الشارع المصري، وبالمقابل وجود عبدالمنعم أبو الفتوح، الإخواني المنشق عن الجماعة، وهذان العاملان يؤكدان أن من أبرز ما دفع بالإخوان لإعلان مرشحهم كان نوعا من التنافس الديني، ولم يكن عملية سياسية خالصة. بدليل أن تبريراتهم لتلك الخطوة دارت حول وجود مستجدات تقتضي معها المصلحة أن تعلن الجماعة مرشحا لها. (ألا يمكن للمجلس العسكري أيضا أن يتخذ ذلك المبرر للتوقف عن الوفاء ببعض التزاماته والتي من أبرزها تعهده بتسليم السلطة للمدنيين)! إذن لقد انتهت حالة القبول الواسعة التي كانت الجماعة تظن أنها تحظى بها لدى الشارع المصري، وبدأت مرحلة التضارب بين أدبيات الجماعة وواقعها على الأرض، فحزب الحرية والعدالة ليس سوى غطاء سياسي لا قيمة له، بدليل أن إعلان ترشيح الشاطر لم يصدر من الحزب وإنما من الجماعة، وبالتالي فنحن أمام كيان سياسي لا يحتكم إلى حزب بل إلى سلطة هي الأعلى بالنسبة له وهي سلطة الجماعة والمرشد. وتخلي الجماعة عن عبدالمنعم أبو الفتوح دليل أن قضيته ليست في وجود مرشح إسلامي، بل مرشح من الجماعة ملتزم لها بالبيعة والسمع والطاعة. إنما وفي حالة فوز خيرت الشاطر، كيف ستكون علاقته بالمرشد العام للجماعة؟ هل ستكون مثل علاقة نجاد بخامئني مثلا؟ حتى على اعتبار هذا السؤال متشائما للغاية، لكن أكثر ما يدعو للتشاؤم والقلق هو أن الإخوان الآن يمرون بموقف متوتر مع بقية القوى الإسلامية والقوى السياسية بل وحتى القوى الشعبية المصرية.
إن أقل المؤثرين الآن في مسار الثورة المصرية هم الشباب، وأكثر المؤثرين الآن هي تلك القوى التقليدية، لكن أكثرها ارتباكا الآن هم الإخوان المسلمون.