ما بين الاحتياج لتطوير كفاءة العاملين وصقل مهاراتهم واستثمار طاقاتهم الكامنة للوصول للإنتاجية المتصاعدة ظهرت الحاجة للتدريب كضرورة لتأمين الكفاءة والفاعلية في شتى المجالات والمنشآت كافة، وأمام متطلبات سوق العمل يقف في الجانب الآخر المتدربون المطالبون بجودة المدرب والمنشأة والحقيبة التدريبية، وبالتالي التصنيف والتأهيل وإعداد المعايير التي تكفل للعملية التدريبية تحقيق أقصى درجات الفائدة.

وكشفت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لـ"الوطن" رصدها لمعاهد تدريب أهلية في منطقة مكة المكرمة تقيم دورات في الخفاء غير معترف بها ولا يمكن للمؤسسة أن تصادق عليها مبينة أن هناك 7 نماذج لا بد من التقيد بها لأنها تصب في مصلحة المتدربين وتحرص على تجويد التدريب.

وتفشت ظاهرة بين معاهد التدريب في مكة تمثلت في عدم تطبيق بعض منها لوائح "التقني والمهني"، ووجود مدربين غير أكفاء أو معتمدين ولم يجتازوا درجة البكالوريوس العلمية ومعاهد غير مكتملة التجهيز وتقيم دورات بالخفاء ووجود متدربين يهدفون إلى الحصول على الشهادة بغض النظر عن جودة وكفاءة الحقيبة التدريبية المقدمة لهم من المعاهد.



دورة مخفضة


وبينت المتدربة داليا عبدالله أنها التحقت بدورة لإدارة المشاريع الصغيرة بقيمة 400 ريال وقالت "هذه الرسوم تعتبر مخفضة لأنني طالبة جامعية، ومدتها 3 أيام وشعرت بأنني لم أستفد أي شيء منها سوى حصولي على الشهادة فكل الدورة كانت مجرد محاضرات نظرية".

أما الطالبة نوف الغامدي فقالت سجلت في دورة إدارة وبناء فريق العمل لمدة يومين برسوم 350 ريالا وحصلت على الشهادة حتى دون حضور فقط بناء على التسجيل ودفع الرسوم، وزادت سناء محمد "سجلت بدورة بناء مهارات التفكير التي استمرت لمدة 3 أيام وحضرت جميع الأيام ولم أشعر بفائدة تذكر فكان الحضور كبيرا جدا، وبالتالي التركيز على المتدربين منخفض وكانت رسوم الدخول 250 ريالا، أما رسوم الشهادات فتختلف فالمحلية بـ300 ريال بينما الدولية بـ1000 ريال".


تقاذف المسؤولية





وفي تقاذف لمسؤولية التسبب في قصور أداء تلك المعاهد بين المؤسسة العامة وملاك المعاهد التدريبية والمدربين والمتدربين، كشف مدير عام التدريب الأهلي بمنطقة مكة المكرمة بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبدالله الحربي أن المؤسسة رصدت وجود قصور فعلي في بعض المعاهد ووجود تحايل لدى البعض منها، وقال "تم رصد معاهد تقيم دورات في الخفاء"، مشيرا إلى أن المؤسسة أغلقت في مدن ومحافظات منطقة مكة الثلاث الرئيسية معاهد ومراكز تدريب لتدني مستوى المنشأة أو عدم توفر التجهيزات اللازمة والحديثة".

وأشار الحربي إلى أن المؤسسة لا تتقاضى من المعاهد إلا رسوم الخدمات التي ليست بالمبالغ الطائلة وتؤخذ لمرة واحدة طول عمر المنشأة التدريبية وهي عبارة عن مبلغ ألف ريال حتى تحصل المنشأة على الترخيص، موضحا أن على المنشأة التدريبية أن تحدد برامجها المقدمة لحفظ حقوق المتدربين والمتدربات وأن من الضرورة أن يكون المدربون ذوي كفاءة وشهاداتهم معترف بها ومصدقة من جهات الاختصاص.

وأكد أن المؤسسة لا تعتمد المدربين في المنشأة التدريبية إلا في حال اجتيازهم لمرحلة البكالوريوس كحد أدنى من الناحية العلمية، بالإضافة إلى الاطلاع على السيرة الذاتية للمدرب خاصة في الدورات التطويرية سواء في المجالات الإدارية أو الاجتماعية أو المالية وما يملكه المدرب من شهادات مصدقة من جهات الاختصاص.


لا توجد ضوابط واضحة


من جهته، قال رئيس لجنة التدريب بالغرفة التجارية بمكة الدكتور وديع أزهر "للأسف ليست هناك أي ضوابط واضحة في سوق التدريب مما يجعل عددا كبيرا من المدربين يقومون بالتدريب دون أن يصلوا للكفاءة اللازمة، والسبب في ذلك يعود لحجم الطلب على التدريب وعدم وجود بعض المقننات في العملية التدريبية الأمر الذي يجعل خلطا بسوق العمل"، موضحا أن بالعاصمة المقدسة نحو 27 مركزا تدريبيا معظمها غير فاعل لعدة مسببات تتأرجح ما بين الأسباب المادية أو الفنية أو لوجود ملاحظات عليها من قبل المؤسسة العامة للتعليم والتدريب التقني والمهني.

ويرى أزهر أن التدريب في مكة نوعا ما محدود بالنسبة لحجم الطلب الموجود مفيدا أن من أبرز المعوقات التي تواجه مراكز التدريب بيروقراطية بعض الأنظمة الحالية كالحصول على تراخيص لإقامة أي دورة تدريبية التي يجب أن تكون قبل إقامة الدورة بشهر ونصف الشهر، ويشمل اعتماد المؤسسة العامة الذي يستغرق نحو 3 أسابيع إذا كانت الدورة غير معتمدة من قبلهم كما تطلب المؤسسة العامة الرفع باعتماد الدورة لمقام الحاكم الإداري حتى تتم الموافقة على تقديم الدورات التدريبية، مشيرا إلى أن سير تلك الإجراءات يستغرق وقتا طويلا.


سوق التدريب بلا رقيب


وانتقد عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى المستشار في قضايا التطوير الذاتي الدكتور أسامة حريري سوق التدريب بشكل عام، وقال "سوق التدريب بلا رقيب، ويكثر فيها التهريب"، وأضاف "من بعد أن بدأ التدريب في المملكة، تداخل فيه الغث والسمين الأمر الذي دفع بالمؤسسة العامة للتدريب والتعليم المهني ـ لتنشط كجهة مسؤولة عن هذا النشاط ـ لتقنين الأمر وتنظيمه فوضعت شروطا يغلب عليها الجانب المالي أكثر من الجانب الأكاديمي".

وتابع الدكتور حريري "من الضرورة فرض معرفة مؤهلات المدرب العلمية، ولكن فرض القيود المالية الباهظة على مركز التدريب، وعلى كل دورة؛ جعل بعضا من مراكز التدريب يلجأ إلى وسائل التهرب مما أفسد رسالة التدريب، بل جعلت بعض المراكز الصادقة تتوقف عن التدريب، لعدم توازن التكلفة التي فرضتها المؤسسة مع الواقع العملي والفعلي لتكاليف التدريب".

ولفت الدكتور حريري إلى أن من الحلول لتلك الظاهرة أن تتوقف المؤسسة العامة لكونها جهة غير ربحية بل جهة حكومية من فرض الرسوم الباهظة السابقة للدورات، حيث إن المنشأة التدريبية تسعى لتعويض تلك التكلفة من المتدرب، أو جودة التدريب، وأن تكتفي المؤسسة بالرقابة العلمية على عملية التدريب بوضع شروط علمية لمؤهلات المدرب، فلا تسمح لكل عاطل بأن يصبح مُدربا بمجرد حصوله على دورة تأهيل للتدريب، وأن يتم تحديد تكلفة الدورة بناء على مؤهلات المدرب العلمية، وساعاته التدريبية، وجودة الحقيبة التدريبية وتاريخ المركز التدريبي، ولا تُجعل التكلفة لعبة بيع وشراء بين المنشأة والمتدربين.


تباين أسعار الشهادات


من جانبه، قال مدير مركز إبداعات الأصيل للتدريب عضو لجنة التعليم الأهلي بغرفة مكة الدكتور موفق حريري "توجد هناك فروقات متباينة في أسعار الشهادات المحلية المعتمدة من المؤسسة العامة للتدريب التقني أو مراكز الخدمة التابعة للجامعة والشهادات الدولية المعتمدة من الشركة بحسب البرنامج الذي تقدمه الشركة، ويضيف حريري يعتمد ذلك على طبيعة الدورة فالدورات الجماهيرية التي يتراوح عدد الحضور فيها ما بين 60 إلى 100 أو أكثر تعتمد على سعر حضور الدورة ومن ثم سعر الشهادة الذي يتراوح ما بين 200-300 ريال للشهادة المحلية وتكون الشهادة معتمدة من مركز التدريب ومختومة وفي حال أراد المتدرب اعتمادها من قبل المؤسسة العامة للتعليم الفني أيضا يطالب بدفع رسوم نحو 100 ريال للمؤسسة العامة، بينما هناك دورات تخصصية محدودة المقاعد مثلا بحد 20 متدربا وهنا يشترط الحضور ويشمل الشهادة ويعتمد سعر الشهادة هنا على مستويات الشهادة الدولية فهناك شركات متساهلة في شروطها لمنح الشهادة الدولية سواء من بريطانيا أو أميركا أو كندا بحسب شروط المركز فالقيود متفاوتة من دولة لأخرى، مشيرا إلى أن بعض الشهادات الدولية ترتبط بالحقيبة التدريبية بحيث تشترط أن يمنح المتدرب حقيبة أصلية حتى يحصل المتدرب على شهادة دولية ويكون سعرها بآلاف الريالات لأنها مرتبطة بالحقيبة التدريبية ولا يمنح المتدرب الحقيبة إلا بعد أن يكون مؤهلا للتدريب، وألمح الدكتور حريري إلى أن المؤسسة العامة للتعليم والتدريب الفني لا تعترف بالشهادات الدولية ما لم تكن معتمدة من وزارة التجارة أو من شخص معتمد لدى الشركة الدولية وهو الذي يمنح الشهادة.


جودة الحقيبة التدريبية


وأفاد نائب رئيس لجنة الجودة بالغرفة التجارية بمكة المهندس جميل بوقري بأن جودة الحقيبة التدريبية تكمن في قيمة المادة العلمية المقدمة فكلما ضعفت جودة المعلومة أو طريقة الشرح والإيصال للمتدرب فإن المتدرب لن يكمل الدورة التدريبية.

ويضيف بوقري هناك كثير من المعاهد المعترف بها من قبل القطاعات الحكومية وعلى رأسهم الهيئة العليا للمواصفات والمقاييس والجودة، مؤكدا على أن المنشأة التدريبية في المملكة العربية السعودية تخضع لاعتمادات إما من المؤسسة العامة للتعليم والتدريب التقني والمهني أو وزارة التعليم العالي أو وزارة التربية والتعليم، وكل هذه الاعتمادات لا تحصل عليها المنشأة التدريبية إلا بعد تحقيق عدة شروط تكمن في جودة الحقيبة التدريبية وقيمة المدربين المعنوية والسوقية وجودة المنشأة.

وحول الجهة المخولة لاعتماد الدورات التدريبية أبان المدرب المعتمد الدكتور عوض محمد مرضاح بأنه لا يتم تقديم أي برامج تدريبية إلا من خلال مؤسسة تدريبية معتمدة سواء من المؤسسة العامة للتعليم والتدريب الفني أو وزارة التربية والتعليم، مشيرا إلى أن هناك أشخاصا غير مؤهلين للعمل في الجهات التدريبية والمسؤولية هنا تقع على عاتق الفئة المفوضة لهم.

ويقر الدكتور مرضاح حقيقة بمراكز التدريب بأن هناك نوعين من مراكز التدريب النوع الأول وهم: المراكز التي تحترم اسمها وتحافظ على المتدربين وتهتم بتقديم الجودة العالية في المدرب والحقيبة التدريبية ولا تغفل حتى جانب الضيافة وتساعد في نشر ثقافة التدريب بينما في المقابل هناك النوع الثاني من مراكز التدريب التي لا تهدف إلا للربحية البحتة وبالتالي تؤدي إلى عزوف المتدربين عن التدريب وعدم الثقة بالمنشأة التدريبية"، ويضيف الدكتور مرضاح ومن الإفرازات السلبية لهذه المراكز التدريبية وجود صنف من المتدربين (الباحثين عن الشهادة وعدد شهادات التدريب) لا يهتمون باسم مركز التدريب أو المدرب ومحتويات حقيبة التدريب.

من جانبه، قال المدير العام لشركة بناء الإنسان القابضة الأكاديمي بجامعة أم القرى الدكتور ثامر أبو غلية "نرى اليوم عجبا، إذ إن كل من قرأ كتابا أو حضر دورة أراد بعدها مباشرة أن يتصدر المجالس والمنابر وقاعات التدريب ويقدم مادة علمية للجمهور، وهذا إشكال كبير"، ويشير أبو غلية إلى أن هذه نقطة بداية فقد الثقة في الدورات التدريبية المقدمة، حيث أصبحنا نحضر بعض برامج التدريب المتخصصة للأسف ونجد أن المدرب لا يملك مخزونا علميا أو مهارة، إنما مجرد معلومات جمعها من هنا وهناك وجاء ليلقيها على أسماعنا، ونخرج ولم يزد لأرصدتنا إلا النزر اليسير الذي لا يذكر أبدا.

وطالب الدكتور أبو غلية كل من أراد أن يقدم شيئا للأمة وتدريبا هادفا بأن يكون على قدر المسؤولية وحمل الأمانة، ولا يقف موقفا إلا وهو أهل له.


استراتيجية للتدريب


ويعود الدكتور وديع أزهر للحديث عن الأهمية الاستراتيجية للتدريب، قائلاً إن التدريب توجه استراتيجي للدولة وحاجة تستدعي المبادرة ويجب أن تعطى من العناية والتصنيف والتأهيل وإعداد المعايير اللازمة لها بشكل أكبر من الجهات المشرفة على التدريب.

وعلى ذلك يعود للتعليق المهندس بوقري مشددا على ضرورة تحري الدقة قبل التسجيل بأي دورة تدريبية من حيث جودة المنشأة والحقيبة التدريبية والمدرب وما هو الاحتياج الفعلي للمتدرب من الدورة.

ويرى رجل الأعمال عصام بصنوي أن المتدربين على نوعين نوع يحرص على الاستفادة من التدريب ونوع آخر يحرص على إنهاء فترة التدريب للحصول على فرصة وظيفية فقط.

وطالب بصنوي مراكز التدريب بتخصيص ساعات تدريب عن ماهية الوظيفة وكيف يصبح المتدرب موظفا ناجحا وكيف ينمي مستوى الأداء الموجود بالعمل ويطوره حتى يكون محل اعتماد من قبل صاحب العمل، ويضيف بصنوي التدريب ليس آخر المطاف بل لا بد من ممارسة العمل على أرض الواقع مشددا على ضرورة الإحساس بالمسؤولية من قبل المتدرب وبالتالي الإخلاص والتفاني والإبداع في العمل، مطالبا الشباب المتدربين بالالتحاق بالمجالات التي يحتاجها سوق العمل كملاحظ معماري، ومساح، ورسام معماري، ومساعد مهندس، وإشراف معماري.