تقف طموحات كثير من خريجي الثانوية العامة لمواصلة تعليمهم خارجياً والتحاقهم ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي عند قناعات أولياء أمورهم.
ويقضي عدد منهم ساعات طوال في محاولة لإقناع آبائهم أو أماتهم بالسماح لهم بمواصلة تعليمهم العالي خارجياً، لكنها في الأخير تصطدم بـ"لا" خارجياً وبـ"نعم" داخلياً وحسب التخصصات المتاحة من قبل الجامعات وفي بعض الأحيان حسب اختيار الآباء مما هو متاح.
ويبرر أولياء الأمور قرار المنع لتخوفهم على فلذات أكبادهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية في ظل اختلاف الثقافات والعادات والمعتقدات بين المملكة والدول الأجنبية، وإلى عدم ارتياحهم وهم يبتعدون عنهم في المناسبات العامة والظروف التي يحتاجونهم فيها بجانبهم.
مؤثرات سلبية
وهو ما أوضحه، ولي الأمر محمد المطلق بقوله إن "الجميع يطمحون في فرصة الدراسة بالخارج للاستفادة من مجالات التقدم العلمي والتقني والبحثي التي توصلت إليها الجامعات الأجنبية في مختلف التخصصات"، لكنه استدرك "ويجب أن تتم مراعاة العوامل والمؤثرات السلبية التي تسود أجواء الدراسة في الخارج وصرف النظر عن الابتعاث الخارجي إذا كان سيؤثر على سلوك وتصرفات المبتعث أو المبتعثة، خصوصاً بعد إخفاق البعض منهم وعودتهم إلى المملكة بعد سنوات من الخسائر المادية والغربة والابتعاد عن أسرهم وأصدقائهم".
انحراف وانجراف
إلى ذلك، قال ولي الأمر عبدالله القحطاني إن سن خريجي الثانوية العامة من الطلاب والطالبات لا يتوافق مع ما تحتويه بوتقة الابتعاث الخارجي من ثقافات وعادات ومبادئ ومغريات متنوعة في الكثير من الدول الأجنبية، وتابع "الأمر الذي يؤدي إلى إنحراف الكثير في هذه المرحلة لعدم إدراكهم خطورة الانجراف خلف السلوكيات السلبية التي قد توقعهم وأسرهم في الكثير من المشاكل الاجتماعية، وفي ضياع فرصة التعليم لديهم في ظل توفير التسهيلات من وزارة التعليم العالي والجهات ذات العلاقة في مختلف الجامعات بالمملكة، التي حققت نقلة نوعية في مستوى التعليم الجامعي ومجالاته".
مغريات عاطفية
وأشار ولي الأمر ناصر آل صليع إلى أنه رافض فكرة الابتعاث الخارجي ولن يسمح لأبنائه بالدراسة خارجياً؛ لوجود الكثير من المغريات العاطفية التي قد تجرهم في مستنقع التصرفات السلبية بعيداً عن الرقابة الأسرية والمؤسسات المجتمعية المعنية بتقييم مسيرتهم التعليمية، مفضلاً أن "تكون دراستهم في الداخل في ظل توفر جميع التخصصات العلمية المطلوبة في مختلف المجالات التي تلبي احتياجات سوق العمل، وهم بالقرب من أسرهم وفي مجتمع اعتادوا منذ نعومة أظافرهم على ثوابته ومتغيراته وعاداته وثقافاته الاجتماعية والفكرية والعلمية".
امنحونا الثقة
وفي المقابل، قال الطالب محمد اليامي إنه والكثير من زملائه خريجي الثانوية العامة يطمحون في الالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في مختلف الدول المتقدمة في التعليم الجامعي؛ ولكن تخوف الآباء يشكل عقبة كبيرة عنوانها الرفض للفكرة دون التراجع في القرار.
فيما تمنى الطالب سالم الدوسري أن تتغير هذه القناعات وأن يتم منحهم الثقة اللازمة لأنهم يدركون أهمية مستقبلهم لتحقيق أهدافهم المنشودة لمواكبة التطورات والمتغيرات الحديثة في القرن الحادي والعشرين، مشيراً إلى أن الكثير منهم لن ينساقوا خلف المغريات والتوجهات السلبية التي يضمن الغالبية من الآباء والأمهات أنها سوف تؤثر على سلوكهم.
واستشهد الطالب محمد آل منصور بنجاح السواد الأعظم من المبتعثين والمبتعثات الذين أكملوا دراستهم خلال السنوات الماضية في جامعات أمريكا وأوروبا وأستراليا وغيرها من جامعات الدول الأخرى المتقدمة، وقال "عادوا وهم متمكنون من إجادة اللغة الإنجليزية والتخصصات العلمية التي التحقوا بها في دراستهم الجامعية، وعادوا لخدمة دينهم ووطنهم في المؤسسات الحكومية والخاصة في مجالات الطب والهندسة وعلوم الطيران والتكنولوجيا والإدارة".
نضج عقلي وعاطفي
من جهتها، قالت مديرة الشؤون الثقافية والاجتماعية بالمحلقية الثقافية للمملكة في الولايات المتحدة الأميركية الدكتورة موضي الخلف "يجب أن يؤخذ في الحسبان سن راغب أو راغبة الابتعاث والنضج العقلي والعاطفي لهما والسمات الشخصية بشكل عام، ولا يجب أن يكون القرار عاماً مهما كانت الظروف لأنه يعتمد على مؤثرات أو محفزات مختلفة من شخص لآخر".
وأشارت الخلف إلى أن اختلاف الثقافات بين المملكة وكثير من بلدان العالم وخاصة الغربية قد يتسبب في صدمة ثقافية عند بعض المبتعثين مما قد يؤدي إلى الانسياق خلف بعض المغريات غير المتاحة سابقاً، ولكن هنا يدخل دور التربية والرقابة والمتابعة من الآباء والأمهات (وإن كانت متابعة عن بعد) مع أهمية تنمية الرقابة الذاتية لدى الأبناء، ولا بد من الاعتراف بأن مغريات الانحراف السلوكي موجودة في كل مكان سواء في داخل الوطن أو خارجه فيجب على الوالدين الموازنة ما بين مخاطر الابتعاث وفوائده في بناء مستقبل أبنائهم التعليمي والمهني.
توعية المبتعثين
وفيما يتعلق بالبرامج التي تعدها وزارة التعليم العالي لتوعية المبتعثين إلى الولايات المتحدة الأميركية قالت الخلف إن "الطلاب يخضعون لبرنامج لمدة 3 أيام قبل مغادرة أرض الوطن وفي الملحقية الثقافية في واشنطن يوجد برنامج توعوي على موقع الملحقية الإلكتروني (http://www.sacm.org/EnglishOrientations/SE1.aspx) حيث ينقسم البرنامج إلى 4 أجزاء تتضمن معلومات ما قبل المغادرة، ومعلومات عن دور الملحقية الثقافية السعودية، ومعلومات عن قوانين الولايات المتحدة الأمريكية، والوثائق القانونية ونظام التعليم العالي في بلد الابتعاث الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اللقاء بالطلاب والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم عند فتح ملفاتهم في الملحقية، وتوزيع أقراص مضغوطة لكل طالب تحتوي على معلومات مهمة لكل المبتعثين. ويتم تشجيع الأندية الطلابية لاستقبال الطلاب الجدد وتثقيفهم حول أنظمة الدراسة وتقديم بعض الإرشادات التوعوية لهم لدى وصولهم إلى جامعاتهم".
إخفاقات الدراسة
وعن إخفاق المبتعثين دراسياً، قالت مديرة الشؤون الثقافية والاجتماعية بالملحقية الثقافية للمملكة في الولايات المتحدة الأميركية "لا توجد إحصاءات عن إخفاق الطلاب دراسياً ولكن من ناحية نسبة من لديهم مشاكل اجتماعية أو قانونية فعددهم لا يتجاوز الـ 1% من إجمالي عدد المبتعثين" وأكدت أن أسباب الفشل تختلف من مبتعث لآخر وأضافت "وأحد الأسباب هي الصدمة الحضارية التي يواجهها بعضهم خاصة صغار السن الذين يجدون صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد ومن ثم يطلب منهم العودة بعد أشهر من قدومهم، أو الانسياق خلف بعض المغريات المتاحة في الثقافة الأجنبية والتورط في قضايا المخالفات القانونية التي يقعون فيها عن جهل منهم بقوانين الهجرة أو قوانين البلد المضيف بشكل عام، وكذلك بعض المشاكل التي قد تظهر عند بعض الأزواج الذين لا يستطيعون التعامل مع متطلبات الحياة الزوجية خلال فترة الابتعاث؛ حيث يتطلب ذلك تعاونا تاما بين الزوجين للقيام بمهام المنزل ورعاية الأطفال خاصة عندما يكون المبتعث الأساسي هي الزوجة".
المسؤولية المتبادلة
وأكدت الدكتورة الخلف أن برنامج خادم الحرمين الشريفين يعتبر أحد أبرز عوامل بناء كوادر المستقبل ويجب الاستفادة منه استفادة تامة، ولكن لن يكون ذلك ممكناً إلا بتعاون كل الأطراف المعنية المتمثلة في مسؤولية وزارة التعليم العالي ممثلة بملحقياتها الثقافية المختلفة، وكذلك مسؤولية المبتعث الذي يجب أن يركز على تحقيق أهدافه المنشودة التي ابتعث من أجلها، ومسؤولية الأسرة التي يجب أن لا تنسى متابعة أبنائها في الخارج وخاصة الذين هم في بداية المرحلة الجامعية؛ للتأكد من انخراطهم في الطريق الصحيح المؤدي للنجاح والظفر بوثيقة درجة الابتعاث.
خطورة الانغلاق
وفي الجانب التربوي قال المرشد الطلابي حمد اليامي من الخطأ أن نحكم على جميع المبتعثين والمبتعثات بالإخفاق أو النجاح، وأضاف "مثل هذا الأمر يعتمد على التنشئة الصالحة وفق أساليب التربية المثالية التي تغرس السمات الشخصية الصحيحة في نفوس مخرجات مدارس التعليم العام بالمملكة، والابتعاد عن الانغلاق الفكري والثقافي وضرورة الدراية المسبقة لمن يرغب في الابتعاث بأنظمة الدول وثقافاتها وأخلاقياتها، من خلال الاطلاع على مصادر المعرفة الإلكترونية في محركات البحث المتوفرة، وذلك لضمان تحقيق مبدأ التعايش مع طبيعة المجتمع الأجنبي من خلال الاستفادة من الجوانب الإيجابية في مجالات بناء الشخصية المثالية وإجراءات الدراسة الأكاديمية في التخصصات الجامعية المتوفرة في الدول الأجنبية، والعمل على تجنب الوقوع في الجوانب السلبية التي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي وعادات وتقاليد المجتمع السعودي وذلك من خلال التحصين القبلي لمواجهتها".
متاعب الغربة
وعن التجربة الميدانية والدراسة في الخارج أوضح المبتعث فيصل آل قريع الحاصل على درجة الماجستير في مجال الإدارة والقيادة من جامعة لافيرن الأميركية أن مبدأ النجاح والتفوق للمبتعث يعتمد على عملية الشعور بالمسؤولية والابتعاد عن أصدقاء السوء بمختلف جنسياتهم، وتنظيم الوقت واستغلاله في الأشياء المفيدة كالدراسة وبرامج الأنشطة اللامنهجية، والرحلات الخلوية التي تعتمد على الترفيه والاكتشاف وتنمية المجال الثقافي والمعرفي عن مقومات ومعالم دولة الابتعاث، وأرجع عملية إخفاق البعض من زملائه المبتعثين إلى الاستسلام للمغريات السلبية والبعض الآخر لظروف اقتصادية أو أسرية أو لعدم الصبر على الاغتراب عن ذويهم، وعدم القدرة على التعايش مع المجتمعات الأجنبية وثقافاتها.