الإعلان هو أحد الأنشطة الرئيسية لوسائل الإعلام، يُقدم بشكل مثير وجذاب بهدف الترويج لنشاط أو منتج، بتوضيح الجوانب الإيجابية له؛ وتسليط الضوء على ما يعتقد أنه الجانب الأهم كمحور لاهتمام المتلقي، فتكون الهالة الإعلامية أكثر سطوعاً منها على أرض الواقع.
يدخل الإعلان اليوم في جميع مناحي حياتنا، الثقافة والسياسة والتجارة والصناعة، وغالباً ما يشاهد المتلقي، أو يستمع أو يقرأ، الإعلانات التجارية مدفوعة الثمن فتتكون لديه صورة ذهنية معينة تتحول بالتكرار إلى رأي عام جماهيري يترسخ ليصبح صورة نمطية معينة حول المنتج، ، يتحدد مسبقاً عبر الدعاية والإعلان.
بل إن سباقات السياسة-مثلاً- في العالم الغربي تعتمد على الجانب الإعلاني الدعائي، عبر الحملات الانتخابية المنظمة، التي لا تعد الأسلوب الوحيد في العملية الديمقراطية، لكنها تعتبر من أقطابها المهمة، حيث لا يكتفي المتلقي بالجانب الدعائي بل هناك المقابلات والحوارات والمناظرات حيث يستمع من المرشح مباشرة؛ مما يلعب دوراً كبيراً في تقدم المرشحين.
وبما أن الدعاية مرتبطة بالتكرار غالباً، فإن أساس الإشهار-وإن اختلفت الصيغة- يسهم بتكوين قناعة راسخة بأن هذا المنتج أو ذاك هو الخيار الأمثل، ولذلك يلجأ المسوقون إلى البحث عن دهاليز معينة في أدمغة المتلقين والمستهلكين، لينفذوا من خلالها بذكاء حتى تتكون القناعة سواء عبر التجربة أو عبر الإطار النظري الذي يحمل صورة مشرقة للمنتج.
الثقافات الحديثة أصبحت تحمل منتجاً مادياً ومعنوياً، ولكي تتضح المسألة أكثر، لنلاحظ تسويق الثقافة الأمريكية لنفسها عبر أي منتج يمر أمام أعيننا، سواء كان ذلك إشهاراً في CNN أو لوحة لقهوة جديدة في ستاربكس، بعيداً عن التأثر الكبير بأفلام هوليود أو حتى الأفلام الكرتونية الموجهة للأطفال، إذ إن كل شيء باتت (الأمركة) تنفذ من خلاله بسلاسة.
في مسلسل كرتوني شهير-بات يحتل مساحة لا بأس بها من أذهان أطفالنا- تُتمتم الشخصية الكرتونية بأغنية تجعل من البيتزا هي المناسبة لكل أحد.. ونظراً لتكرار المشهد تتكون القناعة الطفولية الراسخة وبالتالي من الصعوبة إقناع الطفل بخلاف ما قاله سبونج بوب! ولتبديل هذه القناعة المضرة بالصحة، يحتاج الأمر من المربي صبراً وجلداً وحنكة.
في الإشهار يتم التعامل مع المتلقي بنفس الطريقة الكرتونية حتى تتشكل الصورة النمطية في الذهن، إذ إن عامة الناس تحدد تصوراتها من خلال إبهار الجانب الدعائي، أو رسم صورة نمطية، ولنأخذ مثلاً صورة ذهنية شائعة في المملكة والخليج عن السلع اليابانية، حيث تكونت فكرة راسخة أن منتجات اليابان هي الأفضل، بينما قد لا يكون الأمر كذلك بالضرورة، حيث توجد سلع مصنعة محلياً هي الأعلى جودة.. ولكن بعض العقليات لا تقبل بهذا الواقع المختلف والتجربة خير برهان في سلع غير مرتفعة التكلفة!
للأسف في ثقافتنا العربية لا تتاح خيارات كثيرة للتجربة، مما أتاح قناعة أن القانون لا يحمي المغفلين لكنه في الوقت ذاته قد يحمي المحتالين، والأمثلة كثيرة ولعل أبرزها بعض شركات الاتصالات والنقل، التي تلجأ لتسويق منتجاتها بلغة فخمة غير خاضعة للتجربة إلا تلك مدفوعة الثمن بطبيعة الحال.. والأمر كذلك بالنسبة لشركات الطيران والنقل!
في الخيارات المتعددة تكون الفرص التنافسية، وأنا أستغرب أحياناً من وجود إعلانات ضخمة مدفوعة الثمن من دون خيارات أخرى أو منافسين آخرين، على ناقل وحيد أو شركة كهرباء وحيدة أو محطة تلفزيونية وحيدة، أو حتى وكيل نوعية واحدة من السيارات... تحتم علينا العولمة اليوم البحث عن إيجاد خيارات متعددة أمام المتلقي أو المستهلك لخلق فرص وحياة جديدة أمامه.
فالدول المتقدمة تكون الخيارات فيها ذات فضاءات مفتوحة، لأن الاعتماد على وجود تلك الخيارات هو أمر أساس في تركيبة الثقافة والمجتمع، فالبيئة الداخلية مفعمة بحرية الفرد والمجتمع، والحرية لا تقبل أن يوجد فيها مسار واحد للاحتكار، وبالتالي من المنطق أن لا يتم التسويق لمنتج واحد، كما نشاهد في بعض الإعلانات.
يمر العالم اليوم بمرحلة جديدة من التعبير عن الذات ومن التغير في الفكر والسلوك، ولذلك فإن وجود فئات لا تتأثر بالإبهار أمر وارد جداً، لأن هذا العالم أصبح مادياً أكثر من أي وقت مضى، وبدا الإنسان المعولم يفكر بعقلية رياضية (واحد زائد واحد يساوي اثنين) ليستطيع التمييز أي كفتي الميزان ترجح، فيختار منها ما يناسب حاجاته ورغباته، ولذلك فإنه حتى الإعلان التجاري الداعي إلى الخيار الأمثل؛ يجب أن يصنع صوراً مقارنة تتجلى فيها الخيارات، فما يعتقد أنه الخيار الأمثل قد لا يكون الأمثل.