أنا أورد هذا السيناريو الذي تكرر كثيرا عند مشاهير أصبحوا بين عشية وضحاها إعلاميين فجأة، واعتقدوا أنهم بـ«هواتفهم المحمولة» قد أصبحوا في مصاف الإعلاميين الحقيقيين، بما يسجلونه من يوميات فيها كثير من السماجة، تارة وهم يأكلون، وتارة وهم يكحون، وتارة وهم يضحكون، وتارة وهم يتسدّحون، وتارة وهم ينكّتون، وتارة وهم يصرخون، أو وهم يشعرون، أو وهم «يشيلون» شيلات مدحا في أنديتهم وفي قبائلهم!
لا بد أن يفهم هؤلاء ممن سموا أنفسهم إعلاميين، وهم ليسوا كذلك، أن وظيفة الإعلامي وظيفة لها قواعد وأصول تراعى، ليس من بينها لغة الشوارع، ولا ترديد الشائعات، ولا تلفيق الأكاذيب، ولا تأجيج الخلافات ولا اللهث وراء الاستعراضات، ولا الترويج للماركات، ولا التسويق للبضائع والمشتريات، ولا بتذوق الأكلات، ولا بالسعي وراء الدعايات، مهنة الإعلام مهنة رفيعة لمن يعلمها، فالإعلامي صاحب رسالة عظيمة، رسالة فكرية وأخلاقية ومهنية وتربوية واجتماعية وثقافية، وحينما تختل وظيفته ويخرج عن قواعدها في أي من تلك الميادين والمجالات المتنوعة، فهو ليس إعلاميا حسب أصول هذه المهنة، فالإعلامي أقرب ما يكون للأديب والمثقف المنتج، فهو بما يقدم كأنما هو يكتب قصة، أو يصنع رواية، أو يحرر مقالة، فالإعلام ولقب الإعلامي لا يجب أن يصبح بابا لكل من هب ودب، وظن أنه من خلال حساباته في الإعلام الجديد قد تحول إلى إعلامي جدير بهذا اللقب، فما عرفناه وقرأناه عن الإعلاميين العظام، أنهم لم يكونوا طلاب شهرة، لأن الإعلامي في الأصل لا تهمه الشهرة، بقدر ما يهمه أن يقدم مادة فيها فكر، فيها معرفة، فيها ثقافة، فيها إلهام، لم أقرأ ذات يوم عن الإعلاميين العظام أنهم كانوا أصحاب شهرة، أو أصحاب ثروة، أو أصحاب مال أو وجاهة، الإعلاميون العظام كانوا عظاما ببرامجهم، بسلوكياتهم بأفكارهم بموادهم التي يصنعون من ورائها جمهورا واعيا مثقفا.
واسمحوا لي أن أقول يجب أن يتوقف العبث بلقب «إعلامي»، لأنه صار لقب من ليس له لقب، لقب كل من يريد الشهرة ويبحث عنها، فيجد أن أسهل طريق وأقصر مسافة إليها عبر بوابة التسلق على أكتاف لقب «إعلامي»، بل يجب أن يفهم من يقرأ مقالي أن الكاتب مثلي مثلا، لا يعد إعلاميا كما قد يظن بعضهم، وأنا أتحدث عن فوضى الألقاب والتلاعب بها، فيظن أني أدافع عن نفسي، بل دعوني أذهب إلى أبعد من هذا وأقول: ليس كل من كتب كلمتين أو مقالا أو مقالين أصبح كاتبا أو يقال عنه كاتب، ومثل هذا فليس كل من كتب أو تحدث في مجلس أو مكان يقال عنه الأديب فلان، فالأديب من له نتاج أدبي موجود في المكتبات، وقابل للطرح والنقد والمناقشة، ويكون وفقا لهذا اللقب قد قدم عملا أدبيا بمقاييس فنون الأدب وأجناسه، في القصة أو الرواية أو الشعر، ولهذا فأنا وفق هذا الكلام مثلا، لست أديبا لأني لم أقدم شيئا لرفوف المكتبات، لذا كم أحب أن نضع خطوطا حمراء أمام فوضى التلاعب بالألقاب، لأن بعضهم قد استهان أمرها، ووجدها أسهل طريق لتحقيق الوجاهة وكسب الشهرة.