(يعرض موقع يوتيوب، رجلا تايلانديا، يركض في غابات كينيا، وإلى جواره جروب أوروبي في حفلة شواء، وبعد تعليقين ثلاثة، يدخل سعوديون يتنابزون ويتبادلون الشتائم). تدوينة صغيرة، يسجلها المبدع تركي محمد في فيس بوك، تلفت الانتباه إلى حالة لا يمكن وصفها إلا بالظاهرة، التي إن توسعنا فيها، يمكن أن نعتبرها خليجية ونحاول أن نربطها بمعرفة وتتبع اهتمامات أبناء المنطقة عبر مداخلاتهم وتعليقاتهم في كل مواقع الشبكة العنكبوتية، ليكون لزاما علينا، مراجعة ما طرح كثيرا، وسمي أزمات الثقافة في دول الخليج العربي، والتي يرى الدكتور أحمد عبدالملك أنها تتنوع ما بين أزمات موضوعية وأخرى طارئة. ولعل أكثر تلك الأزمات تجذرا، تلك الناجمة عن نظرة المجتمع للثقافة باعتبارها معطى تكميليا أو تجميليا، لحياة الإنسان والمجتمعات. لكن أصعبها، يتأتى بسبب ممارسات خاطئة في المؤسسات والإدارات المعنية بالشأن الثقافي والإعلامي تقصي هذا وتقرّب ذاك، فضلا عما تعتري مخرجات التعليم من حالات ضعف ووهن فيما ترفد به قطاعات الثقافة المتنوعة بطاقات جديدة.

في نظرة المجتمع للثقافة، مؤكد أن المجتمعات في الخليج مختلفة عن المجتمعات الأخرى. إذ لا يمكن مقارنة هذا المجتمع مع المجتمع الفرنسي أو الألماني أو الأميركي!

يذهب عبدالملك إلى أنه في مجتمع الخليج تطغى الاستهلاكية السلبية، ومظاهر الترف، واقتناء المُلهيات على مظاهر الحياة الأخرى، التي تفضي لمقاربة فنون وعمق تفكير. يتعود الفرد على مشاهدة التلفزيون أو اللعب بدلا من قراءة كتاب؛ أو يتنادى الشباب لحضور مباراة أو استعراض قيادة السيارات، بدلا من ممارسات ثقافية فنية. لذلك تعاني الثقافة من قلة الجمهور، بل يلاحظ أن حضور الفعاليات في أغلب الأوقات يكون محدودا، أي لا أثر لفعل ثقافي يرتقي بالسلوك، في صورة تكبر كثيرا.

بعض الأصدقاء ممن كانت لديه صورة مثالية براقة عن عديد المثقفين، يخبر أن الإنترنت، كشف حقائق كثيرة، إن على مستوى العقلية، أو الإمكانات الفنية واللغوية، ويستغربون من / ما أتى بهؤلاء إلى سدّة الثقافة! ويمضي بعضهم في المساءلة كيف يمكن لمن ليس له – كما يفضح نفسه عبر الإنترنت - أي اطلاع على ما يجري في عوالم الثقافة من تطور أو تجديد أو إبداع؟ أن يخوض جدلا ثقافيا معرفيا، وبعض المتشائمين، يلوح بأن حتى المؤسسات الثقافية لم تنج من الفساد بل خلقت أفقا يتميز باتخاذه موقفا عاما ضد المبدعين الحقيقيين لأنهم يحترمون أنفسهم، وينأون بها عن التزلف أو المجاملة، ليسوا معنيين إلا بالصدق والإبداع، ومن لا يملك هاتين القيمتين لا بد أن يلجأ لأدوات وممارسات بديلة تبقيه مقربا وتشعره بوجوده، والموجع إن كانت قذرة.