وهنا تجدر الإشارة إلى أن معاناة الأدباء والمثقفين ليست وليدة الساعة، فقد كانت العرب أيام الجاهلية تصف من يفتقر بعد ثراء بقولهم: «أصابته حرفة الأدب»، في إشارة واضحة إلى أن الأدب ليس سبيلا للثراء أو حتى التكسب.
على صعيد الكتابة الصحفية، قد يكون الكاتب فهد عامر الأحمدي هو أول من حمل مهنة «كاتب» رسميا في المملكة، بعد محاولات مضنية في جريدة الرياض حتى تحقق له ذلك، ولا أعلم هل هناك من يحمل هذه الصفة سواه خلاف كتّاب العدل في المحاكم!.
كل الشواهد تشي بأن المجتمع في شقّيه «الرسمي والشعبي» استوعب ذهنيا الوجود الفعلي لكل المهن التقليدية، سواء العلمية منها كالمهندس والطبيب، أو غير العلمية كالمحاسب والمحامي، أو حتى المتسبب وبائع الخضار، لكنه لم يستوعب حتى الآن المهن الثقافية والفنية المحضة كالروائي أو الفنان التشكيلي أو المخرج المسرحي، أو الناقد الفني أو العازف الموسيقي، أو مصممة الأزياء، وقد يستغرب من وجود وظيفة يقوم بها صاحبها ببيجامته وهو في غرفة نومه مضطجعا على تخته، كالكتابة الصحفية اليومية مثلا، واختفاء التصنيف الرسمي للأدباء والفنانين والمفكرين في ديوان الخدمة المدنية، لهو دليل ورافد لذلك.
وهنا ينبغي القول، إن علاقة الفن بالعلم ليست بالجديدة، وإنما التوصل إلى فهمها قد يكون هو الجديد، فهي تعود إلى أزمنة وعصور موغلة في القِدَم، إذ تخبرنا الاكتشافات الأثرية عن الرسومات والمنحوتات، وحتى آلات الموسيقى التي حاكى فيها الإنسان الطبيعة، في سبيل إيجاد نوع من العلاقات اليومية معها، وفهمها والتآلف معها، وفي هذا الصدد، يمكننا أن نعقد ثَمَّة مقاربة بين العالِم ألبرت آينشتاين ونظريته «النظرية النسبية»، والرسام «بابلو بيكاسو» وريادته في «المدرسة التكعيبية» في الفن، وكذلك استخدام الفنان والعالم الإيطالي الشهير «ليوناردو دافينشي» الهندسة والرياضيات في رسمه للوحة «الموناليزا» الشهيرة.
قبل بضعة أيام قرأنا عن مبادرة رائعة وخطوة غير مسبوقة أعلن عنها وزير الثقافة، وهي إطلاق أول برنامج ثقافي في تاريخ المملكة، والذي سيقدم للطلاب والطالبات السعوديين فرصا نوعية لدراسة الثقافة والفنون في أبرز وأعرق الجامعات العالمية، وقد نص الخبر على أن أبرز التخصصات الدراسية في برنامج الابتعاث الثقافي هي: الموسيقى والمسرح والفنون البصرية وصناعة الأفلام والآداب، وكذلك علم الآثار وفنون الطهو والتصميم وفنون العمارة. ومراحل الدراسة ستكون في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وتنص رؤية المملكة 2030 على أن الثقافة من مقومات «جودة الحياة»، كما تُعدّ جزءا أساسيا من التحول الوطني الطموح الذي تسير عليه بلادنا الغالية، وفي ظل وجود وزارة فتية يرأسها وزير شاب وطموح كوزارة الثقافة، التي أُنشِئت في الثاني من يونيو 2018، أعتقد أنه حان الوقت لاستحداث وظائف ثقافية وفنية ينضوي أصحابها تحت مظلات رسمية، ويصطبغون بصبغات احترافية لما يُقدمونه من إبداعات ثقافية وفنية.