حاولت ليلى الأحيدب في (عيون الثعالب) أن يكون انطباع القارئ عن أخلاق (علي) انطباعاً يكتسي بالمكر والخديعة، وكرَّرت ذلك في أكثر من موقف، في شكل مفروض على القارئ. تقول (مريم) مخاطبة (علي) وهي منبهرة: لون عينيك رمادي. أجابني وهو يلهث: كلون عيون الثعالب" ص (125)، كما أنها قد تصف أخلاقه بالثعلبية نحو "ربما لأن يوسف كان في قلبي لم أهتم بثعالبية علي" ص(175). مثل تلك الصفات كانت ترد في الرواية دونما سلوك يبرزها أو يؤكدها، بل إن العكس هو الصحيح، فمثلاً (علي) الذي وصفته الساردة (بالثعلب) و(الثعالبية)، يُظهِر أخلاقاً في التعامل معها لا تنم عن المكر، بل تدل على الوضوح والصراحة، يقول لها: "لا تعتقدي أنني أتسلى بك، أنا فقط لا أريدك أن تتوقعي مني أي التزام بهذه العلاقة. لنكن واضحين منذ البدء، وصدقيني أنت رائعة ومميزة ومختلفة عن كل النساء اللاتي عرفتهن، أنت بدأت في صنع اسم جميل لك وتوغلك معي قد يسيء إليك. لذلك، أرجوك أخرجيني من النص". ص(98) وفي كل علاقته مع (مريم) كان سلوكه يؤكد حديثه هذا لها، والحوارات الأخرى التي تتكرر على مثل تلك الشاكلة.

ما جعل علياً في الرواية يظهر بهذا الشكل هو أن الكاتبة لم تفهم شخصياتها بشكل عميق، ولم تتعرف على نفسياتها، ولم تضع لكل شخصية من تلك الشخصيات قالباً أو نمطاً واضحاً تستطيع من خلاله تفسير المواقف الاجتماعية، والانفعالية والعاطفية . ولا تنطبق تلك المقولة على (علي) وحسب، بل على جميع شخصيات هذه الرواية، باستثناء (مريم) التي كان السرد على لسانها، فمريم كانت كثيراً ما تتحدث عن نفسها، وكثيراً ما جاء المونولوج واصفاً خفاياها النفسية، ومواقفها إزاء كثير من الظواهر، والعلاقات، والأنماط الحياتية. وهذه المعرفة الجيدة من قبل الكاتبة لشخصية مريم، جعلتها تكتب عنها بوضوح، في حين أن غياب وضبابية نفسيات وصفات الشخصيات الأخرى جعلها تظهر في النص شخصيات شفافة، باهتة، لا يعيش القارئ أجواءها بالشكل الصحيح، فمثلاً قد لا يحس القارئ بكرهٍ لعلي حينما كان يهين (مريم)، ولا حزناً على موت الجدة (لطيفة)، ولا بغضاً للأب الذي أهمل أسرته وانصرف مع زوجه الأخرى. كما لم نشعر بالمستوى الثقافي الرفيع لعلي، أو بانحرافه وشذوذه مع (ناصر)، ولم نشعر بالطرفة التي ترد بين الوقت والآخر في ثنايا الرواية.. كل ذلك لا يشعر به القارئ لأنه يصدر عن شخصيات مسطحة، وغير ناضجة، ولم تنشأ بينه وبين أي شخصية منها انطباع نفسي معين.

رواية (عيون الثعالب) لم يبدأ نموها الحقيقي إلا في منتصف الرواية تقريباً، أي حينما بدأت في محاولات (مريم) (الماكرة) في الاقتران بـ (علي) قسراً ومكراً. أما الجزء الأول من الرواية فقد شُغل بالحديث عن مواقف متعددة في شكل لمحات يسيرة لا تشبع ولا تغني من جوع، فلا هي التي عرّفت القارئ بالشخصية بشكل جيد، ولا سمحت للحدث الرئيسي بأن ينمو بهدوء وسلاسة. فكان الجزء الأول مشغولاً بمحاولة إبراز (مريم) بالمثقفة الظريفة، والحديث عن المواقف التي تعرفت فيها على فتيانها، و(الهبلنة) كما تقول في النص التي تمارسها (مريم) وأختها على أولئك الشباب بالهاتف ليلاً.

وهذا قد يجعل الرواية برمتها بلا معنى، فكانت مثل شخصياتها مسطحة، بلا عمق. فلعل القارئ يعجز عن أن يمسك حدثاً جميلاً يتتبعه بشغف ويتلذذ بقراءته، وربما لا يجد في نفسه تعاطفاً مع شخصياتها يجعله يتسقط مفاصل حياتها ويعرف ما آلت إليه.


* كاتب سعودي