ومن الملاحظ جيداً أن أغلب هذه الأهداف ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بعلم الكيمياء، من خلال مجالات البيئة والتغير المناخي والطاقة النظيفة وتلوث المياه. حيث تأتي الصناعات بشكل عام والصناعات الكيميائية بشكل خاص في مقدمة القضايا لتلك الأهداف التنموية، باعتبارها نشاطات ملوثة بشكل عام أو صناعات تنتج مواد ثانوية سامة وخطيرة، وبالتالي مهددة للبيئة والاستدامة. وقد ظلت التنمية الكيميائية المستدامة هاجساً شغل العديد من العلماء والكيميائيين خلال أواخر القرن المنصرم، ولذا فقد توصلوا إلى استحداث تخصص الكيمياء الخضراء (Green Chemistry)، حيث يهتم بالبحث وابتكار طرق جديدة وصديقة للبيئة لصناعة المواد الكيميائية، من خلال تقليل الاعتماد على النفط لصناعة المواد الكيميائية، بالإضافة إلى تقليل المخاطر في العمليات الكيميائية، والعمل على تقليل أو إعادة تدوير المذيبات والمحفزات التي تدخل في التفاعل.
الموائع الأيونية (Ionic Liquids) إحدى تقنيات الكيمياء الخضراء التي يمكن أن تستخدم في الصناعة، لتسهم بشكل فعال لتحقيق الاستدامة من خلال استعمالاتها كمذيبات كيميائية، وفي عمليات الفصل والترشيح، وفي البطاريات وخلايا الوقود، والعديد من التطبيقات الصناعية.
وتعرف الموائع الأيونية بأنها أملاح في حالتها السائلة في درجات حرارة منخفضة نسبية (أقل من 100 درجة مئوية)، في حين أن ملح الطعام يذوب ويتحول إلى الحالة السائلة في درجة حرارة 801 درجة مئوية، وتمتاز الموائع الأيونية بميزات عدة منها أنها غير قابلة للاشتعال نظير ضغط البخار الضئيل نسبياً، مما يحد من نسب الانبعاثات غير المحكمة للمواد السامة في الهواء. بالإضافة لخواصها المميزة كمذيبات وفي التوصيل الكهربائي، وقد تدخل في تطبيقات تفاعلات نظم الحالة الثنائية (biphasic system ). بالتأكيد، هذه الجوانب تجعل الموائع الأيونية مذيبات حميدة وأكثر أمانًا من الناحية البيئية أكثر من المركبات العضوية المتطايرة العضوية التقليدية (VOCs).
العديد من الأبحاث حالياً تعد في مجال العمليات الكيميائية لإيجاد مذيبات من الموائع الأيونية لها القدرة على أن تحل محل المذيبات التقليدية التي تشكل هاجساً من حيث مخاطرها البيئية وطرق التخلص منها، بل وحتى استدامة مصادرها، بحيث تكون العملية الكيميائية وخصوصاً الصناعية أقل خطراً وأكثر استدامة، وهذا هو هدفنا في الكيمياء الخضراء.
أعتقد أننا في المملكة العربية السعودية لدينا الكثير لنقدمه في هذا المجال وخصوصاً مع رؤيتنا الطموحة لإيجاد فرص مستدامة، وتقليل الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى الاعتماد على الاستثمار المعرفي من خلال البحوث العلمية ونقل التقنية.