من وراء القضبان، جاء أمس الظهور الأول للرئيس المصري السابق حسني مبارك منذ ثورة 25 يناير التي أطاحت به، حين بدا منهكاً وعلى سرير المرض، في حين بدأت مفارقات "محاكمة القرن" لحظة وصول الرئيس المخلوع إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة وهي التي كانت تعرف قبل ستة أشهر فقط بـ"أكاديمية مبارك للأمن".
ورغم المرض، بدا مبارك في كامل وعيه، متحدثا مرتين، قال في الأولى "أفندم، أنا موجود" وفي الأخرى "أنا أنكر كل الاتهامات تماماً" موجها الحديث إلى رئيس المحكمة، فيما ارتدى هو ونجلاه علاء وجمال زيا أبيض، وهو المخصص للموقوفين على ذمة قضايا، فيما ارتدى وزير الداخلية السابق حبيب العادلي الزي الأزرق لصدور حكم قضائي ضده بالسجن.
وفيما كان ابناه يحاولان الوقوف أمامه داخل القفص لإخفائه عن كاميرا التلفزيون، كان المئات من أسر ضحايا الثورة يتجمهرون قبالة مقر المحاكمة هاتفين "الحرامية أهم.. المجرمين أهم".
وتضمنت الاتهامات الموجهة لمبارك ونجليه قتل المتظاهرين والتربح والإضرار العمد بالمال العام، وتصدير الغاز لإسرائيل، فيما شهدت المحاكمة جدلا واسعاً بين المحامين وممثلي الادعاء، إلى أن أعلن رئيس المحكمة تأجيل الجلسة إلى منتصف الشهر الجاري.
تعلقت أنظار ملايين المصريين أمس قرابة ثلاث ساعات ونصف، بأجهزة التلفاز، لمتابعة محاكمة رئيسهم السابق حسني مبارك، ونجليه، ووزير داخليته حبيب العادلي، و6 من مساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، بتهمة "قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 يناير، والتربح والإضرار العمدي بالمال العام، وتصدير الغاز لإسرائيل".
وخلت شوارع القاهرة من المارة، وشهد ميدان التحرير والشوارع المحيطة به هدوءا ملحوظا أثناء نقل التلفزيون لوقائع المحاكمة.
وكثفت قوات الأمن المركزي وضباط الشرطة من تواجدها في وسط ميدان التحرير وفي الشوارع الجانبية للميدان بالإضافة إلى عدد من سيارات الإطفاء والإسعاف تحسبا لأية أحداث طارئة.
وشهدت الأكاديمية التي حملت اسم مبارك منذ نشأتها (أكاديمية مبارك للعلوم الأمنية)، جلسات محاكمته بعد تغيير اسمها إلى "أكاديمية الشرطة" بعد صدور حكم قضائي بذلك عقب الثورة.
وحضر مبارك جلسة المحاكمة، على سرير المرضى، بقناع أوكسجين، يرتدي زيا أبيض، وهو الزي المخصص للمحبوسين احتياطيا، على ذمة قضايا، كما حضر نجلاه الجلسة بذات الزي، فيما ارتدى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الزي الأزرق لصدور حكم قضائي ضده بالسجن.
وفور دخول المتهمين إلى قفص الاتهام، دخلت هيئة المحكمة القاعة برئاسة المستشار أحمد رفعت.
وسعى نجلا الرئيس السابق علاء وجمال إلى حجبه عن الإعلام وهو نائم في سريره، وظلا واقفين طول المحاكمة، فيما أمسك نجله الأكبر علاء بالمصحف.
وتلا المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة المستشار مصطفى سليمان أمر الإحالة الذي تضمن الاتهامات الموجهة لمبارك ولنجليه. وواجه رئيس المحكمة مبارك بلائحة الاتهامات، للرد عليها وبيان ما إذا كان قد ارتكبها أم لا.. وهو الأمر الذي رد عليه مبارك بالنفي قائلا "أنا أنكر هذه الاتهامات جميعا". كما أنكر نجلا مبارك علاء وجمال بدورهما ارتكابهما للاتهامات المنسوبة إليهما في أمر الإحالة.
وكان رئيس المحكمة استهل وقائع الجلسة بتلاوة كلمة قصيرة، نبه فيها إلى أن من حق رئيس المحكمة أن يأمر بإخراج كل من يتسبب في إحداث بلبلة في قاعة المحكمة، أو أن يقرر حبس من يتمادى في ذلك لمدة 24 ساعة بتهمة الإخلال بنظام الجلسة.
وجاء ذلك بعدما أقدم بعض الحضور على ترديد هتافات معادية ضد الرئيس السابق لدى دخوله قفص الاتهام.
وطلب محامي الرئيس السابق فريد الديب، استدعاء المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشهادة في المحاكمة، وعمر سليمان نائب رئيس الجمهورية مدير المخابرات السابق، وهو ذات الطلب الذي أكدت عليه هيئة الدفاع عن الشهداء.
وطلب رئيس المحكمة من المحامين عن المتهمين أن يقدموا للمحكمة طلباتهم، حتى يتسنى لهيئة المحكمة فحصها وإبداء الرأي فيها في إتمام الحق والعدل وحسن سير العدالة.
وطلب ممثل هيئة قضايا الدولة المستشار أشرف مختار من المحكمة التصريح لهم بالادعاء مدنيا بمبلغ مليار جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت لصالح الخزانة العامة للدولة، ضد جميع المتهمين وفي مقدمتهم المتهم الأول حسني مبارك وباقي المتهمين.
وتصدت قوات الشرطة والأمن المركزي للأعداد الكبيرة من المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام الحواجز الأمنية لدخول المحاكمة عنوة، واندلعت اشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السابق أمام مقر محاكمته.
وتبادل الجانبان إلقاء الحجارة والضرب بالعصي ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بينهم اثنان من المصورين الصحفيين.
وقررت المحكمة بعد المداولة تأجيل محاكمة مبارك ونجليه ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم إلى جلسة 15 أغسطس الجاري. كما أرجأت محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار معاونيه ومساعديه إلى جلسة الغد.
كما أمر القاضي بإيداع مبارك مستشفى المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة الإسماعيلية.