عندما يتجسد الفساد في معركة سياسية وعندما يختلط الحابل بالنابل، وعندما تتحول الديمقراطية إلى سفاهة، والى حرب شعواء لا هوادة لها، وحيما يكون الكذب والزور هما السلاح للوصول إلى الغاية، الغاية التي يفترض أن تستهدف خدمة العامة، عندها تنعدم الموازين الأخلاقية التي تقف كالطود الشامخ أمام الكثيرين منا، فالغاية من وجهة النظر السوية، وكما أفهمها لا تبرر الوسيلة، ولا يمكن ليد ملطخة بالخداع أن تصلح، ولا يمكن لفاسد أن يمهد الطريق للخير والصلاح، ولا يمكن لغيور أن يحقق مراده في تمكين الإصلاح، وهو الذي عمد إلى حفر الحفر، وهو يكيد كيد الأبالسة، ويحاول تشويه صور خصومه زورا وبهتانا، فكيف يمكن لمثل هذا أن يصلح فسادا، وهو من اتخذ الفساد طريقا ومنهاجا، بل ومارس ذلك بحرفية عالية.

إن مبدأ الميكافيلي الذي أمن به هؤلاء يرى أن: (الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية على جميع السبل والوسائل التي تؤهل للوصول لهذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة، فهو لا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف، وإنما إلى مدى ملاءمة هذه الوسيلة لتحقيق هذا الهدف)!.

وأذكر هنا أن مبدأ الميكافيلي الذي يتبنى فكره "الغاية تبرر الوسيلة" لا يمكن أن نتفق عليه كمسلمين نؤمن بالله الواحد الأحد، ونلتزم بشريعته سبحانه. مبدأ الميكافيلي لا يمكن لنا أن نطبقه ونحن ملتزمون باتباع سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ثم كيف لنا أن نقتدى بفكر رجل غير جلده كالحية حسب الفصول والمواسم؟! فتارة يصافح ذاك وتارة يصفق لهذا.

ولكننا مع الأسف نجد من خلال متابعتنا لمعطيات العملية الانتخابية في مصر أن مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " متجسد فيها، كما هي في الكثير من عالمنا العربي والإسلامي بل والعالمي.. ففي مصر العزيزة وبحجة الديمقراطية يعمد بعض العاملين في السياسة إلى اتخاذ الطرق الملتوية للوصول إلى الحكم والاحتفاظ به، كما نجد أن غالبية وسائل الإعلام قد سخرت أدواتها لتطبيق هذا المبدأ، ففي سبيل إسقاط هذا المرشح أو ذاك يعمد الإعلام إلى تتبع عورات المرشحين دون بيِّنة معتبرة، أو يعمد إلى تأليف القصص القادحة في حق بعضهم ومن ثم نشرها، فتارة تنشر أن هذا المرشح لا يحق له الترشيح لأن والدته رحمها الله مزدوجة الجنسية، وذاك لا يصلح للترشيح لأن والده تزوج يهودية وأنجب منها، وذاك لا يصلح لأن العفو الذي ناله لا يمنحه الحق في الترشيح للرئاسة!

وإن كنت لا أقف مع هذا أو ذاك، أو بعبارة أوضح لا يحق لي الفتوى في قضايا الآخرين، فشأن مصر الداخلي يعني أهلها حفظهم الله، لكن مصلحة واستقرار مصر الغالية تعنينا جميعا، كما يعنينا أمر سوريا واليمن وتونس وليبيا وغيرها من الدول الإسلامية والعربية، ومن هنا أجد أنه من المفيد طرح كلام الشيخ الألباني رحمه الله وأسكنه فسيح جناته عن مبدأ الميكافيلي إذ يقول: (هذه القاعدة ليست معروفة في الإسلام، هذه القاعدة قاعدة الكفار، هم الذين نشروا هذه القاعدة بفعلهم وبثقافتهم، الغاية تبرر الوسيلة، الشرع لا يجيز الوسيلة التي ليست مباحة شرعا في سبيل تحصيل مصلحة شرعية، على العكس من ذلك الإسلام أحياناً يوقف الأخذ بالمصلحة دفعا للمفسدة، وهنا القضية بالعكس الغاية تبرر الوسيلة... فهذه قاعدة كافرة - الغاية تبرر الوسيلة - وأرجو أن تفهموا هذا جيدا لأن كثيرا من الأحزاب الإسلامية تقوم تصرفاتها على هذه القاعدة - الغاية تبرر الوسيلة-، يصل أحيانا الأمر ببعض هؤلاء الأحزاب أن يفتروا على غيرهم من المسلمين تحطيما لهم لأنهم لا ينضمون إلى حزبهم،...هذا ليس من الإسلام لا من قريب ولا من بعيد...) وليت كلام الشيخ الألباني يصل لهؤلاء فيتدبروا ويتفكروا في مضامينه، هدانا الله جميعا إلى طاعته .

وإذا عدنا إلى كتاب "الأمير" والى الفكر "الميكافيلي" سنجد أنه يتحدث عن المحكومين وكأنهم قطيع غنم لا حول لهم ولا قوة، بل نصح الحاكم بخداعهم للاحتفاظ بالحكم، واتهمهم بتهم لا يمكن تبرئة أنفسهم منها، فهو يقول له: (وهنا يكون السؤال ما إذا كان من الأفضل أن تكون محبوبا أكثر من أن تكون مهابا، أو أن يخافك الناس أكثر من أن يحبوك؟ ويتلخص الرد على هذا السؤال في: أن من الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك ولكن لما كان من العسير الجمع بين الأمرين، فإن من الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك، هذا إذا توجب عليك الاختيار بينهما...) وعندما يتحدث عن الطبيعة البشرية يقول للحاكم :( إنهم - أي الناس - ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون ميالون إلى تجنب الأخطار شديدو الطمع، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون، طالما أن الحاجة بعيدة نائية، ولكنها عندما تدنو يثورون)، وهنا نستطيع أن نقول إن الكاتب تحدث ها هنا عن نفسه ووصفها، فهو تارة خدم هؤلاء ومدحهم، وعندما اضمحلت سلطتهم، صافح وخدم غيرهم، وعندما تغيرت موازين الحكم لصالح السلف عاد وتملقهم.

وأخيرا، أتساءل: إذا كان الإعلام يساند أنصاره السياسيين على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة الميكافيلية"، إذا كان لا يرى بأسا في ارتكاب الحرام وتوجيه التهم وإلصاقها بخصومه، وإذا كان أنصاره يصفقون له ويمدونه بالأكاذيب لينشرها ويشيعها بهدف تشويه السمعة والإطاحة بالخصوم، وإذا كان يفعل ذلك بإيعاز من أشخاص بعينهم، وإذا كان يبرر فعلته على أساس مبدأ الميكافيلي، ضاربا عرض الحائط بكل تعاليم ديننا الحنيف الذي يدعو للعدل والإنصاف والصدق والأمانة، فكيف يمكن للشعوب الثقة بشخص كهذا وبأعوان كهؤلاء؟! والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل.