وعلى الرغم من أن القضية حظيت بتوصيتين من مجلس الشورى، الأولى عام 1437، والثانية عام 1439، مما يدل على أن هناك اعترافا بوقوع ضرر على المعلمين جراء هذا البند، إلا أننا لا نعرف مصيرهما، ولم نجد من يخبرنا عمّا أسفرتا عنه.
وعندما أردت الكتابة عن هذه القضية وجدت من خلال تتبعي لحيثياتها، أن هناك أربع جهات معنية بها، وهي: وزارة الخدمة المدنية كمشرع، ووزارة التعليم كمرجع مباشر، ومصلحة معاشات التقاعد كطرف معني باحتساب الخدمات، ووزارة المالية كحلقة في المنظومة.
وبما أن مصلحة معاشات التقاعد هي المعنية باحتساب سنوات الخدمة، وجهت أولى مقالاتي لها، فردت على وجه السرعة: بأن الخدمات التي قضيت على بند 105 «تعذر احتسابها لأغراض التقاعد، لعدم توفر الشروط النظامية المنصوص عليها في المادة (الثانية) في نظام التقاعد المدني». وفي هذا الرد من المصلحة إشارة ضمنية إلى أن هذا البند استحدث بشكل غير نظامي.
وعند ذلك توجهت بالمقال الثاني لوزارة الخدمة كجهة مشرعة للاستفسار عمن استحدث البند، وهل استحدث بشكل نظامي؟ فلم يتجاوبوا، ثم عقبت بمقال آخر، ولكن للأسف لم يردوا أيضا. وعند ذلك وجهت المقال التالي لوزارة التعليم كمرجع مباشر، استفسر عن المسؤول عن إضاعة حقوق هؤلاء المعلمين، ولكنهم لم يردوا أيضا، ثم عقبت بمقال آخر على صفحات هذه الجريدة بتاريخ 28/ 3/ 1439، وأطلقت عليها مسمى (قضية ربع القرن)، وكان كل ما أرجوه في هذا المقال من وزارتي الخدمة والتعليم، هو مجرد التوضيح، إما إعطاء الأمل بالاحتساب، أو التصريح بتعذر الاحتساب للمبررات الآتية، لكي يتدبر كل معلم متضرر أمره، فمنهم من لديه ظروف صحية، ومنهم من لديه ظروف خاصة، ولا يرغب الاستمرار في المهنة، ويتحرى وقت التقاعد المبكر على أحر من الجمر. ولكن للأسف لم أجد أي تجاوب.
والأغرب من هذا: أن جميع مسؤولي الوزارتين رفضوا التواجد في القنوات التلفزيونية التي تطرقت لهذه القضية، سواء بالحضور والمشاركة، أو على الأقل التداخل للرد والتوضيح.
هذا التعتيم والتجاهل من قبل الجهات المعنية رغم أن الدولة عينت في كل وزارة متحدثا رسميا مهمته الأساسية الرد على كل ما يطرح في وسائل الإعلام، ويشغل الرأي العام، يدل دلالة واضحة على أن تلك الجهات ارتكبت أخطاء نظامية، في حق المعلمين المتضررين منعتها من الرد، ووضع النقاط على الحروف.
ومن أبرز الأخطاء النظامية التي اتضحت لي أن وزارة الخدمة استمرت على مدى 4 أو 5 سنوات، تعين المعلمين على مستويات، والمعلمات على البند، مع العلم أن المؤهل واحد، والمهنة واحدة، مما جعل المعلمات أكثر تضررا، وهناك فوارق كبيرة في الراتب، بينهن وبين زملائهن الرجال من الدفعة نفسها، فهل لدى مسؤولي وزارة الخدمة أي تبرير لهذه التفرقة، وهل يعقل أن يتساوى راتب معلمة مع راتب زميلة لها، تخرجت بعدها بعدة سنوات، فقد ذكرت لي إحداهن أن راتبها مساوٍ لراتب إحدى طالباتها.
وإذا أتينا لتشخيص سبب تعقد هذه المشكلة وتعذر حلها، نجد أن من تسبب في المشكلة لا يملك الحل، وهذا السبب هو مربط الفرس كما يقال! بل يحتاج إلى الحل لاعتمادات مالية، وموافقة من المقام السامي! والدولة -حفظها الله- متجهة للترشيد، ولن تتحمل أخطاء المسؤولين الذين يخالفون أنظمتها.
فلو أن وزارة التعليم ما دام أنها قبلت بتعيينهم على البند فتحت لهم ملفا في التأمينات الاجتماعية، أسوة بما فعلته المدارس الخاصة، فعلى الأقل حافظت على سنوات خدماتهم، وأسهمت في تخفيف حجم المشكلة، فمن المفارقات العجيبة والمحزنة أن من عملت في المدارس الخاصة حُسبت خدماتها، بينما من عملت في مدرسة حكومية لم تحسب، وهذا أمر محبط للغاية، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة.
وما دام أن الحال -كما سبق أن أوضحنا- ليس أمام المتضررين إلا حلان لا ثالث لهما، إما إقامة شكوى مرفقة بالمستندات التي تثبت المخالفات النظامية التي وقعت فيها الجهات المتسببة، وبالتالي تسببت في ضياع الحقوق، وعلاوة على ذلك تجاهلت جميع المطالبات، وكأن الأمر لا يعنيها. فليس من المعقول أن يحدث ضرر من غير متسبب. أما الانتظار وعقد الآمال على أن الجهات المتسببة التي تجاهلت المعلمين ربع قرن ستحل مشكلتهم، فلن يفضي إلى أي نتائج إيجابية. وسيمضي الزمن وهم في تشتت وترقب.
أما الحل الآخر: والذي سأطرحه حسب معايشتي للمشكلة، وإلمامي بكثير من خفاياها -ورؤيتي لتعاقب أكثر من ستة وزراء على التعليم، وما يقاربهم على الخدمة، وهذه القضية ما زالت عالقة دون حل- فيتمثل في الآتي.
أولا: الجهة الوحيدة المتضررة من احتساب الخدمة لغرض التقاعد هي مصلحة معاشات التقاعد، وذلك لأن المعلمين والمعلمات طوال المدة التي قضوها على البند لم يحسم منهم أي مبلغ لصالحها، سواء من المعلمين، أو الجهة التابعين لها.
ثانيا: أن احتساب الخدمات لغرض التقاعد الذي كان مطلبا في وقت مضى لم يعد ذا أهمية في الوقت الحالي، لأن أغلب المطالبين به لرغبتهم في التقاعد المبكر أكملوا المدة النظامية دون احتساب السنوات المفقودة جراء التعيين على البند، لذا أرى أن مناقشة مجلس الشورى لوزير الخدمة حول هذا الأمر لم تعد ذات فائدة مرجوة، وإن تمت الموافقة على هذا الاحتساب فهو من باب ذر الرماد في العيون.
ثالثا: المتضررون فقدوا كثيرا من الحقوق بموجب هذا البند الذي لا أشك أن استحداثه غير نظامي، بدليل ما أسلفت بأن الجهات المعنية تجاهلت الرد على جميع مقالاتي، ورفضت أي مشاركة، أو تداخل في القنوات التلفزيونية. فلو أن موقفها سليم لخرجت ووضحت، وأنهت المشكلة، ولكنها أحست بخطئها فلاذت بالصمت، وآثرت عدم المواجهة، وحاولت رمي حل هذه القضية في أحضان الدولة، للحصول على الاعتمادات المالية، كما حصل في التقرير المالي لوزارة الخدمة عام 1437، لأن هذه الحقوق ليست بالأمر الهين، فقد ترتب على خطأ استحداث هذا البند، ورفيقة دربه مادة «18أ» (ضياع سنوات خدمة + درجات مستحقة + فروقات مالية بمبالغ كبيرة) علاوة على تضررهم من تعيينهم على مستويات أقل مما يستحقون.
رابعا: الحل المقترح، بما أن هناك سلما وظيفيا جديدا للمعلمين أرى أن يسكن هؤلاء المعلمون المتضررون على الدرجات التي يستحقونها حسب عدد سنوات خدمتهم، وفي المقابل يدفع هؤلاء المتضررون ما ترتب عليهم من حسميات بشكل مضاعف، عنهم، وعن الجهة التابعين لها، أي 18 % من المبلغ المقطوع الذي كانوا يتقاضونه (4000) أي 720 شهريا، بعدد الأشهر التي قضوها على البند، بالإضافة إلى ما يحسم عليهم حاليا، بحيث يتم تسكينهم على الدرجات التي يستحقونها، مقابل هذه الحسميات المضاعفة، والتنازل عن فروقاتهم المالية، وهي بلا شك مبالغ مالية كبيرة جدا، وهو حل وسطي، مع قناعتي وإيماني بأنهم يستحقون جميع حقوقهم كاملة، فلم يسبق لمنسوبي أي وزارة أن تعرضوا لمثل ما تعرض له معلمو الأجيال، أما من سبق أن تقاعدوا فيعطون الدرجة التي يستحقونها حسب السلم الذي تقاعدوا عليه، مع اقتصار الحسم على المبالغ غير المستقطعة سابقا.
خامسا: بما أنني لست متضررا، وليس لي ناقة ولا جمل في الموضوع، ولست مخولا بالحديث عن جميع المتضررين، لذا أرى أن يربط قبول هذا الحل المقترح، بعمل استفتاء للمتضررين، أو بموافقة كل طرف على حدة.
وأخيرا: كنت قد عزمت على عدم الكتابة عن هذا الموضوع، لما أرى من التجاهل غير المبرر من الوزارتين، ولكن استدعاء مجلس الشورى وزير الخدمة، ومناقشته حول هذا الأمر، شجعني على العودة، وطرح هذا المقترح، لعل الله أن ينفع به، فإن أصبت فلله الحمد والمنة، وإن كانت الأخرى فلا حرمني الله أجر الاجتهاد، ولكل جهة ورد اسمها هنا، وترى أنني أوردت عنها معلومة غير صحيحة، أن تعقب وتصحح، فجل من لا يخطئ.