واليوم أستكمل الحديث لكم عن حالة عدم الوفاق هذه، ولكن من وجهة نظر المديرين أنفسهم.
لا يخفى على الإداريين أن مدارس القيادة الأساسية، وغالبية الكتب التي تم نشرها في هذا المجال، دائما ما تتحدث عن رؤية القيادة والقائد، وتتجنب الحديث عن رؤية الأتباع أو المرؤوسين. وهذه مشكلة كبرى انتبه لها أخيرا بعض الأكاديميين، وأصبحوا يتحدثون عنها في مقالاتهم وأحاديثهم القيادية، سواء في اللقاءات أو عبر منصاتهم الاجتماعية. ولذلك فإنني أرغب في هذه المقالة أن أتقمص دور المدير في أي جهة حكومية، ومن ثم أوجّه الحديث، لأشخّص حالة عدم التوافق بيني وبين الموظفين الذين يعملون معي. وبالتالي فإنني أعتقد أنني سأقول إن فكرة قلة الإنتاجية التي يراها المدير في موظفه تأتي من خلال عدد من النقاط:
عدم الإحساس بالمسؤولية: وذلك عبر عدم التفاعل مع بيئة العمل المادية والمعنوية، والاكتفاء بأقل القليل من كفاءة الإنجاز.
عدم الرغبة في التقيد بأوقات العمل: يأتي هذا عبر عدم الالتزام الجيد بأوقات العمل وبساعاته. وكذلك عبر عدم التواجد في المقرات، خصوصا تلك المكاتب التي فيها مواجهة للجمهور.
الاكتفاء بالأعمال المحددة والسعي إلى تقليص الأعباء: وذلك برفض الموظف لكل عمل يتم تكليفه به، ويكون خارج مهامه التي أنيطت به، حيث يمضي سنوات طوال على إجراءين أو ثلاثة فقط. وكذلك تأففه ورفضه القيام بأعمال زملائه المجازين.
إذاً، نخلص إلى أن تسيب الموظف، وعدم إحساسه بالمسؤولية، ورغبته المستمرة في عدم التفاعل مع الأعمال التي تبتعد نوعا ما عن أعماله، بل وعدم رغبته في فهمها يسبب لدى المديرين ألماً يوازي الآلام التي تتركها بعض الأوجاع العضوية. وذلك لأن فشل المدير في تحريك موظفيه يعطي الرسائل لرؤسائه بأنه لم يكن على القدر الكافي من الإدارة الموكلة إليه، ولا يستحق أن يستمر في إدارة أعمال جهته المنوطة به.
أيها السادة، هل لاحظتم أنني لم أتحدث إطلاقاً عن الشغف العام بالوظيفة لدى الموظفين في العمل الحكومي، خصوصا تلك الوزارات والجهات التي ما زالت تعمل بأفكارها القديمة نفسها.
الشغف أيها الكرام يعتبر مثل النبتة التي لا تخرج إلا بعد أن يتم توفير بيئتها الخصبة والمرتوية. وبالتأكيد إن المديرين في غالبية العمل الحكومي لا يملكون الصلاحيات الكافية لتوفيرها. فلذلك أيها الموظفون انتبهوا كيلا تتسببوا في صنع الآلام الحادة لأصدقائكم المديرين، لأنه قد يحدث أن تكونوا يوما ما في مكانهم، وسوف تكتوون حينها ببقايا آلامكم التي صنعتموها.