أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يوم الخميس الموافق 15/‏‏ 4/‏‏ 1441، ثلاثة أوامر ملكية تضمنت: ضم «هيئة الرقابة» و«المباحث الإدارية» إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي.

وتضمنت الأوامر الملكية، الموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وضم «هيئة الرقابة والتحقيق» و«المباحث الإدارية» إلى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، تحت مسمى «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد»، ويتولى رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد القيام بصلاحيات رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ومباشرة اختصاصات رئيس المباحث الإدارية، وله تفويض من يراه بممارسة بعض تلك الصلاحيات والاختصاصات.

وتضمنت إنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، تختص بالتحقيق الجنائي في القضايا الجنائية المتعلقة بالفساد المالي والإداري، والادعاء فيها، ولرئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التنسيق مع النائب العام، من أجل استمرار النيابة العامة في التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري، في بعض مناطق المملكة التي لا توجد بها فروع لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، على أن توضع آلية محكمة بين النيابة العامة والهيئة، تضمن حصر تلك القضايا ومتابعتها من الهيئة وما تنتهي إليه، على أن ينعقد الاختصاص المكاني في جميع الدعاوى المتصلة بقضايا الفساد المالي والإداري، للمحكمة المختصة، في مدينة الرياض.


على أن تتولى «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد» اتخاذ ما يلزم حيال جرائم الفساد المالي والإداري ومرتكبيها وأطرافها، سواء كانوا من الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية من موظفي الدولة المدنيين أو العسكريين، أو من في حكمهم من المتعاقد معهم أو غيرهم، أو من الأشخاص ذوي الصفة المعنوية ذات الصلة بتلك الجرائم، ويترتب على الحكم الصادر من المحكمة المختصة بإدانة أي موظف أو من في حكمه بجريمة جنائية تتصل بالفساد المالي والإداري، فصله من وظيفته، وإذا أسفر التحقيق مع الموظف العام أو من في حكمه عن وجود شبهات قوية تمسّ كرامة الوظيفة أو النزاهة جاز لرئيس الهيئة -بعد أخذ رأي رئيس الجهاز الذي يتبع له الموظف- اقتراح فصله بأمر ملكي، دون أن يؤثر ذلك على استكمال إجراءات الدعوى الجنائية في حقه.

كما وضع المجهر على ثروة الموظف العام ومن في حكمه بعد توليه الوظيفة زيادة لا تتناسب مع دخله أو موارده، بناءً على قرائن مبنية على تحريات مالية بارتكابه جرائم فساد مالي أو إداري، فيكون عبء الإثبات عليه للتحقق من أن ما لديه من أموال تم اكتسابها بطرق مشروعة، وإذا عجز عن الإثبات فيحال لإكمال ما يلزم نظاما بحقه.

إن هذه الأوامر السامية هي نقطة تحول تؤكد استمرار الحرب على الفساد، وهو تكريس لمبدأ إسلامي عتيد في محاسبة المسؤولين وعدم إسقاط الحقوق بالتقادم، إذ إن القاعدة الفقهية تقول «الحق لا يسقط بالتقادم».

والأخطاء التي ترتكب ضد الوطن ومقدراته من قضايا فساد مالي وإداري يجب أن يحاسب مرتكبوها والمنتفعون بها، وأن يدفعوا ثمن عدم أمانتهم وانتهازيتهم.

لقد أثلج هذا القرار كل مواطن مخلص، فهو يوحّد الإجراءات ويختصر الوقت والجهد، ويشد من قوة الجهة الرقابية المسند إليها هذه المهام الجبارة، للحفاظ على مقدرات الوطن الإدارية والمالية، والضرب بيد من حديد على يد الفاسدين. وكما ذكرنا فهي اختصار للوقت والإجراءات، وضمان لعدم ازدواج الإجراءات، وجعل الاختصاص المكاني بمدينة الـرياض مؤشرا مهما إلى أن الأمر لا يحتمل التسويف، أو إيجاد حيل للالتفاف على أنظمة هذه الهيئة الرقابية الضخمة، والتي ستكون -إذا صح التعبير- صمام أمان -بإذن الله- للأمن المالي والأمن الإداري ، مما ينعكس على أمن المواطن والوطن واستقراره في جميع مناحي الحياة. كما أنه من خلال قراءتي هذه الأوامر، فإن شرط الفصل من الوظيفة العامة بقوة النظام لمن حكم عليه بالسجن أكثر من عام، لن يكون شرطا حائلا دون فصل الموظف المتورط في فساد مالي أو إداري، بل إن ثبوت الفساد كفيل بفصل الموظف الفاسد، وحسب فهمي سواء كان فساده كبيرا أم صغيرا، فالفساد هو الفساد.

وإن القرارات الصادرة بالفصل ستكون بأمر ملكي، وهذا يحصن القرارات الصادرة من هذه الهيئة من الطعن، ويقطع أمل كل فاسد ومفسد في الإفـلات من سيف العـدالة. وهذه الأوامر والتنظيمات تدل على قيـادة عالية في تطلعاتها وبعيدة في نظرتها لحفظ الوطن ومقدراته.