إن مؤشرات الوضع الراهن تدل -وبقوة- على عدم فعالية كُتاب الرأي على التأثير في الأوساط السياسية والاجتماعية أو الاقتصادية، بل وفي رسم صورة واضحة عن الداخل السعودي أمام الرأي الخارجي.

وربما يعود ذلك إلى أن ما تتم ممارسته حاليا، هو نوع من الإعلام الوظيفي أو ممارسة هواية الكتابة، وليس الإعلام المهني الذي يعتمد على التخصص في مناقشة القضايا والمواضيع الشائكة.

ما زالت كتابة الرأي عبارة عن محاولات خجولة لشيء من المهنية الإعلامية والمسؤولية المجتمعية. ويهدد هذا الحراك الخجول عدة عوامل، كان أهمها منتديات الرأي في السابق، والتي كانت تتم الكتابة فيها بأسماء مجهولة ومستعارة، ووسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الراهن.


ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تحوي نسبة كبيرة من الأخبار المغلوطة غير الصحيحة، إلا أنها تؤثر -وبشكل كبير- في توجيه الرأي العام، وربما يعود ذلك مرة أخرى إلى غياب المهنية والشفافية والمسؤولية المجتمعية للإعلام الداخلي.

ورغم الإغراءات التي تفرضها كتابة الرأي على جميع الفئات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو أكاديمية أو دينية، إلا أن محاولة هذه الفئات الانخراط في كتابة الرأي، وبصفة منتظمة في عدد من الصحف المحلية، لم يجعل من آرائهم قائدا وموجها للرأي العام، بل ما زالت هناك أزمة ثقة ونوع من الانفصام الثقافي بين مخرجات تلك الآراء وبين انعكاساتها على المجتمع.

وربما ليس سرّا أو أمرا غير معلوم، عندما نقول إنه كي يتابعك الآخرون ويقرؤون لك، فعليك أن تتكلم عنهم، وتتابع أمورهم، حتى ولو كان ذلك نوعا من التكلف والادعاء، ويظهر هذا جليا في نهج بعض المؤسسات الإعلامية في طرح مساحات واسعة لرأي المجتمع، خلال صنع منابر وهمية لتكون «منبر من لا منبر له»، وعندما سقطت هذه المنابر، وعلم الناس حقيقتها، وأنها ليست سوى نوع من التفريغ العاطفي، والذي لا ينعكس بأي حال من الأحوال على حقيقة حياتهم وتوجهاتهم، لجأت تلك الجهات إلى التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي، واختيار التغريدات المناسبة لمهاجمة الداخل، وهذه التغريدات هي التي تعكس توجه الرأي العام!، ويأتي ذلك تزامناً مع ضعف في مواجهة هذا التأليب والتوجيه للرأي العام.

كُتّاب الرأي الداخلي لهم غايات متنوعة من الكتابة، منها كسب عدد كبير من المتابعين، وربما أغراض مالية، أو رغبة في الشهرة، أو التشهير بالآخرين، وفي أوقات نادرة لممارسة مسؤولية مجتمعية ووطنية.

ورغم كثير من المحاولات، إلا أنه يجب أن نعترف أن الكتابة لم تنجح في التأثير في الرأي الداخلي أمام ما ينشر في وسائل التواصل، وأمام المؤسسات الإعلامية الضخمة التي تلعب دورا مهما في توجيه أفكار وآراء المجتمعات، وتجعل من نفسها المصدر الأول للبحث عن الحقيقة!.

وكي نتجاوز ذلك نحتاج إلى مؤسسة إعلامية قوية وفاعلة، تستقطب كُتاب الرأي الذين يجيدون المسؤولية المجتمعية، ويعيشون حلم الوطن بكل تفاصيله، ويستشعرون مستقبل الإعلام والمخاطر التي قد تحدث حال استمرار الوضع على ما هو عليه.