رمضان شهر مميز بامتياز فله من الخصائص الكونية والفضائل الشرعية ما فاق به سائر الشهور، فهو درتها وذروة سنامها. فمن خصائص شهر رمضان الكونية أنه الشهر الذي اصطفاه العليم الحكيم فجعله محلاً لإنزال أعظم كتبه القرآن العظيم على خاتم رسله نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]. وهذا الحدث من أكبر الأحداث الكونية أهمية وتأثيرا في مسيرة البشرية. ومن خصائص شهر رمضان الكونية أنه شهر القضاء والتقدير السنوي، فليلة القدر إحدى لياليه، وهي التي قال الله في شأنها:(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[الدخان:4]. فيكتب فيها ما يكون من الوقائع والأحداث لعام كامل. وهذا من أسباب تسميتها بليلة القدر. ومن خصائص شهر رمضان الكونية أنه تسلسل فيه الشياطين وتحبس عن كثير من الإضلال والإفساد فلا يتمكنون من الشر الذي يدركونه في غيره من الشهور. ومن خصائصه الكونية أنه تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار إيذانا بكثرة الطاعات وتقلص السيئات. وقد انتظم هذه الخصائص قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين. ومن خصائص شهر رمضان الكونية أن كان مسرحاً لأعظم أحداث التأريخ الإسلامي وأكبرها تأثيرا في زمن النبوة وما بعده. ففي زمن النبوة شهد رمضان مبدأ نصر الإسلام وذروته، فمبدؤه كان في السنة الثانية من الهجرة في غزوة بدر أولى مواقع النصر التي ظهرت بها دولة الإسلام الفتية قوة جديدة مؤثرة في جزيرة العرب. وأما ذروته ففي فتح مكة البلد الحرام وتطهير البيت العتيق من الأوثان في السنة الثامنة من الهجرة. أما بعد عصر النبوة فذاك مسرد قد يطول لفتوحات وانتصارات في تأريخ المسلمين. ومن فضائل شهر رمضان الشرعية أن الله جعله محلا لأداء ركن من أركان الإسلام ألا وهو الصيام، ففرض صوم رمضان على أهل الإسلام شكراً على إنزال القرآن، كما دل عليه قوله (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]. ومن فضائل شهر رمضان الشرعية أن جعله الله موسم مغفرة وتخفف من السيئات؛ فمن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ولأجل هذا التنوع في أسباب الغفران وكثرتها قال صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له. ومن فضائل شهر رمضان الشرعية دورة تدريبية إيمانية تخلي الإنسان من الرذائل وتحليه بالفضائل، فإن هذا هو مقصود عبادات هذا الشهر من صيام وقيام وتلاوة قرآن، يبين ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان. فالصيام شرع لغاية عظمى ومقصد أسمى ألا وهي تزكية النفوس وتهذيبها؛ وفي هذا السياق قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. فشهر رمضان ليس لبناء الآخرة واكتساب الحسنات فحسب بل لتهذيب النفوس وتزكيتها ولإصلاح الدنيا وعمارتها.