آفة تاريخنا الأدبي القديم هي الأخذ بالعنونة والاندفاع نحو مقاربة أسماء ووضعها في فضاءات الدراسة والتحقيق والإشارات واختراق خطابها الذهني ،وتعميق صورتها الحركية وتكثيف حضورها وديمومتها، مما أفضى إلى حجب تجارب مدهشة ،وتعطيل ومحو وتغييب رموز باهرة، ومصادرة منجزها بكل معطياته وسياقاته الإبداعية وحيويته المعبرة عن زمانها ومكانها وطبيعة حالاتها .ومن هنا حاول الدكتور حسين نصار رحمه الله وتحت عنف الزمن وأفول الذاكرة أن يوقد الجذوة المشحونة والمكتضة بالتوق والرغبة في معرفة صاحب تلك الأبيات الشعرية المتفرقة، والإضاءات الخافتة والمتناثرة، والحضور الشحيح وتقديمه بكل تجلياته واستحقاقاته الشعرية الضخمة، فقام قبل سبعين عاماً بتحقيق ديوان "سراقة بن مرداس بن كنانة بن بارق"، وبارق بطن من الأزد سميت باسم سعد بن عدي بن حارثة الذي اكتسب اسم بارق لنزوله جبلاً بالسراة " وكان أول ظهور لسراقة عام 66هـ كواحد من صفحات التاريخ السياسي والأدبي واللغوي في عصر من أقوى عصور العرب، إبّان الحكم الأموي في الشرق حيث يقول الدكتور نصار: "إن الخسارة لتظهر لنا جلية عندما نعلم أن سراقة من الشعراء الذين ناقضوا جريراً والفرزدق وله من القصائد مااستحسنه قروم العرب وسادتهم" وكان الحجاج بن يوسف يقول: "من أراد أن يبصر بالخيل فليرو قصيدة بارق" والتي يقول مطلعها: زعمت ربيعة وهي غير ملومة أني كبرت وأن رأسي أشيب. أما نقائض سراقة فتختلف اختلافا جوهرياً عن نقائض غيره من شعراء ذلك العصر، فلا إفحاش ولا ذكر للعورات التي أوغل فيها جرير والفرزدق، وهي مأثرة لسراقة تدل على أدبه ونزعته الأخلاقية الحكيمة .كان سراقة شديد الاعتداد بقبيلته بارق وبنسبه الأزدي: قومي شنوءة إن سألت بمجدهم في صالح الأقوام أولم تسألِ. أخبرت عن قومي بعزٍ حاضرٍ وقيام مجد في الزمان الأولِ ومآثر كانت لهم معلومة في الصالحين وسؤدد لم ينحلِ. المطعمين إذا الرياح تناوحت بقتامها في كل عام ممحلِ. إني من الأزدِ الذين أنوفهم عند السماء وجارهم في معقلِ. ويقول الرواة: إن آخر حضور لسراقة وذكر لأخباره كان عام 75هـ حين أنشد رثاءه في عبدالرحمن بن مخنف الذي قتله قطري بن الفجاءة حيث يقول: ثوى سيد الأزدين أزد شنوءة وأزد عُمان رهن رمس بكازر. وقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية اسمه عام 79هـ في قائمة المتوفين، حيث هجى الحجاج وهرب إلى الشام وتوفي في ذلك العام .نشر ديوان سراقة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية بلندن عام 1936م نقلاً عن مخطوطة بالمكتبة الأهلية في فينا، وهي منقولة عن نسخة ألمانية منقولة عن نسخة دار الكتب المصرية بالقاهرة، عن نسخة محفوظة بالآستانة.