هذا مثال حي للجدل الدائر في الأروقة السياسية حول السياسات الاقتصادية في معقل الرأسمالية وقمة الدول الصناعية في العالم. ومن يقرأ ما بين السطور في هذا الجدل الدائر، يمكنه أن يتبين التأثير السياسي الواضح على القرار الاقتصادي، لكنه في الوقت نفسه يمكنه أن يستخلص الدور المهم الذي تؤديه السياسات الاقتصادية في توجيه الاقتصادات ورسم معالمها المستقبلية، لتكون متسِقَةً مع المعطيات والظروف التي نتعامل معها؛ فلكي تعمل تلك السياسات الاقتصادية على تحقيق أهدافها والوصول إلى النتائج المخطط لها، فهي لا بد من أن تراعي تلك المعطيات السياسية والظروف المحيطة بها داخلياً وخارجياً، وتواءِم بينها وبين الإمكانات والخيارات المتاحة. هذه الديناميكية والواقعية هي جوهر السياسات الاقتصادية الفاعلة التي لا تركن إلى البُعد النظري البحت، بل تسترشد به وتوظِّفه للتعامل مع الواقع بموضوعية ومهنية عالية، وهي إن حققت هذا المزج بمهارة ومهنية، إنما تبتعد عن مواطِن الجَدَل وتنتصر للمنطق السَّوي الذي يسود إن اعتبر المصلحة العامة أساساً بعيداً عن أي اعتبارات تمسُّ بها أو تناقضها، أي أننا نتحدث عن نهج يحتكم إلى الأصول العلمية المعتبرة لتكون نبراساً ومشعلاً يقود الوصول إلى منصَّة الهدف والمبتغى، وهي ليست مهمة سهلة لكنها تتطلب هذا العقل المنفتح أمام الواقع.