كما يشير كثير من الدراسات إلى الدور الحيوي الذي تلعبه القيادة المدرسية في إنجاح الخطط التربوية والتعليمية، ومع هذا الإدراك الواسع لأهمية هذا المحور البارز في قيادة التعليم نحو النجاح أو الفشل تبقى كل الأطروحات التطويرية مجرد شكليات لم تتجاوز تغيير المسميات، وتحويل مفاهيم الإدارة إلى منطلقات القيادة، وتتمحور تشريعات التطوير حول المنهج (المقرر الدراسي) بشكل كبير، والتطبيقات التدريسية الحديثة، وتتجه الأنظار إلى قاعدة المنظومة التعليمية التي يشكلها المعلمون، وتجعلها العنصر الأهم دون النظر إلى دور القائد المدرسي، وما يمثله من أسباب النجاح لهذه القاعدة بالإدراك والوعي والمهنية والمسؤولية والمهارات القيادية، أو ما تقود إليه في المقابل من عقبات الفشل، بضعف الدافعية، وغياب الرؤية، وإشاعة بواعث الإحباط والتذمر.
وبأي حال من الأحوال لا يمكن أن يكون دور قائد المدرسة دورا ثانويا، أو مهمة تكميلية، ولا يمكن النظر إليه كأحد العناصر الأخرى في مكونات منظومة التعليم، بل لا بد أن يكون كما هو: صاحب الأثر الفاعل والمباشر في هذه المنظومة بكل تفاصيلها، وإذا كان بهذه الأهمية فلا بد أن يوازي هذا الاعتراف اهتماما مباشرا يجعله في أولوية برامج التطوير، وعلى القائمة الأولى في إستراتيجية التحسين المنشود.
نستطيع أن نقول بكل ثقة: إن المدرسة المتميزة تحظى بقائد متميز، ونقول أيضا: إن القائد المتميز لا يمكن أن تكون مؤسسته التعليمية فاشلة، حتى لو وجدت فيها عناصر الفشل وأسبابه، وكما أنه في المقابل لا يمكن للمؤسسة التعليمية أن تنجح بوجود شخص يمثل أول عناصر الفشل في قيادتها، كل هذه ليست حقائق غائبة لنجعل من ذكرها شيئا مدهشا! بل قد يحسبها البعض استهلاكا غير مفيد، لكنما المراد لفت الأنظار ليتجه الجميع في إدارة قطاع التعليم نحو مرتكز النجاح الأول والأهم، وهو (قائد المدرسة) لتوفير كثير من الميزانيات والجهود والوقت، لأن المنهج المتطور، والبيئة النموذجية، والمعلم المتميز، لا تعدو سوى أدوات بيد ذلك القائد، يكتب لها النجاح مثلما يكتب الفشل.
وكما تسعى وزارة التعليم إلى التركيز، وتقليص حجم التجارب والمشاريع التربوية، التي تضخ سنويا على الميدان التربوي، عازمة على الاكتفاء بما يحسّن مستوى التحصيل الدراسي، ويمكّن المتعلمين من مهارات التعلم، التي تزيد فاعليتهم، وتجوّد مشاركتهم في الاختبارات والمنافسات المحلية والدولية، لتعزيز دور المملكة، وتحسين موقعها عالميا، نظير ما تنفقه من موازنات هائلة في هذا المجال.
وباعتماد معهد التطوير المهني التعليمي المتضمن في هدفه الرابع (إعداد قيادات تعليمية مؤهلة)، فلعل قائد المدرسة يكون مستهدفا أول لأهميته القصوى، ولما تمر به القيادة المدرسية من ترهل في الصلاحيات، والتنظيمات، وازدواج في المهام، وتجاذبات بين الأقسام المشرفة، وممارسات تنفيذية، بعيدة عن النواحي الفنية، فلا يعدو قائد المدرسة في بعض المدارس غير ممارس لوظيفة مكتبية فحسب، لما يكلف به من مهام، ومخاطبات، ويتلقاه من اللوم، والضغوط التي لا يستطيع معها إلا التنمق في التقارير والمكاتبات والبرمجيات، أو لضعف التأهيل، وغياب الخبرة، وفقد الكفاءة الإدارية والقيادية، التي يجب أن تكتسب طوعا، أو تفرض إلزاما، ولا بد أن يمر القائد المدرسي بمرحلة طويلة من التأهيل، والتمكين، والممارسة، والاختبارات الدورية، مقابل المميزات والمكافآت اللائقة، والحوافز المناسبة، وصناعة المنافسة القوية على تلك الميزات النوعية. ولن ينجح أي مشروع تطويري مهما كانت عظمته وأهميته، ما لم نضمن كفاءة القيادة المدرسية، وعلينا أن ندرك أن كل الرهانات خاسرة، ما لم يكن الرهان على هذا المحور، فلن يتطور مستوى المعلم، ما لم تتطور قيادته المباشرة، ولن يتحسن مستوى التحصيل، إذا لم يكن تحت نظر القائد، وفي صلب اهتمامه، ولن ينجح المقرر الدراسي، بل سيهمل تدريسه، إذا لم يجعله القائد المدرسي حيويا بين أيدي المعلمين والمتعلمين، بحسن التوجيه، والتقويم، والمتابعة، ولن تكون أساليب التقويم صادقة، وبرامجها المتنوعة -بما فيها الاختبارات التحريرية العائدة- واقعية، إذا لم يحسن القائد المدرسي توظيفها، ويتلمس الفروق الأدائية من خلالها، ويوظـفها لتصنيف المستويات، وكشف القصور، وتحديد مكامن الخلل، ثم يجعلها أداة للتحسين، ووسيلة للتـقويم.
ومع أن جميع التفاعلات تدرك أهمية قائد المدرسة نظريا، لكن الواقع والممارسة مختلف تماما. فمن المفيد أن نمضي مع بوصلة النجاح إلى الاتجاه الصحيح، وأن نعزز دوره بإمكانات تناسب مع مهام ملائمة، يجب إعادة صياغتها من جديد، ومن ثم نمضي للمتابعة والمحاسبة والتدقيق، لنختصر من مسـافة الزمن وقتا طويلا أمضيناه في النظرية وتطوير المسميات، ونحن نحاول البحث عن إجابة: كيف نطوّر تعليمنا؟ ونفتش في جميع القواميس التربوية، ونقلب في أضابير النماذج المتقدمة، لننسخ منها الحل، مع أن الإجابة باختصار في جعبة قائد المدرسة.