ينقل عن الفيلسوف البريطاني لبرتراند راسل قوله حين سأله أحدهم هل أنت مستعد أن تموت من أجل آرائك؟

أجاب الفيلسوف: لا !

تابع السائل: لماذا؟

راسل: قد أكون مخطئاً فأموت أحمق.

هذا الكلام يحمل رسالة كبيرة أن يكون الإنسان حذرا من آرائه والوسط الذي حوله؛ فيعيد النظر في أشياء كثيرة بفلترة عقلية دائمة بدون كلل ورحمة، ذلك أن حقائق الأمور تتملص دوما من التفسيرات النهائية.

وفي هذا الإطار أرسل لي صديقي حسن من كوردستان تساؤلين حول الحقيقة والسعادة؛ فكتب يقول بعد أن اطلع على كتاب لبرتراند راسل، بعنوان مشاكل الفلسفة، يقول فيها إنه ليس ثمة من حقيقة تتوهج إلى حد اليقين فلا يشك فيها عاقل، مع هذا فواجب الفلسفة الإجابة على هذا النوع من الأسئلة النهائية والصعبة والمقلقة.

ولكن صديقي الكردي ارتج عند هذه الفكرة فقال: أين يقع "الوحي" بالنسبة للمعرفة ؟هل هو أيضا غير يقيني؟ أم جزء من اليقين؟ أم هو خارج نطاق المعرفة؟

وأنا أفرق دوما بين ثلاثة حقول تجتاح العقل الإنساني جمعها نديم الجسر في كتاب واحد بعنوان قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن، على شكل قصة جميلة بين الشيخ وحيران. ونفس برتراند راسل حين أراد تعريف الفلسفة قال هي تلك المنطقة التي لا اسم لها والمعرضة للهجوم من التيولوجيا والعلم، والسبب أن الفلسفة هي حقل الشك والتساؤل كما يقول نيتشه: إذا أردت أن ترتاح فاعتقد وإذا أردت ان تكون من حواري الحقيقة فاسأل.

والفرق الحاسم بين العلم والفلسفة والدين، هو أن الأخير يعطي الإجابة النهائية المحددة والقطعية عن أمور لاجواب لها عند العلم، وتحتار فيها الفلسفة فهي تترجرج عن أسئلة هائلة ضخمة بحجم الجبال، مثل من أين أتينا وأين المصير؟ مامعنى الحياة التي نعيشها وهل مصائرنا بيدنا؟ لقد اهتزت مونتريال المدينة الجميلة بقوة ريختر 5,7 يوم 23 يونيو 2010م وكنت فيها وشعر بها معظم الناس، وانفتح السؤال ماذا لو اشتدت واستمرت وتحولت هذه المدينة البديعة إلى أنقاض وكوارث؟ وهو أمر لا يد لأهل مونتريال فيه سوى ترميم الكارثة وتعديل المصيبة وما تترك من أحزان وخسائر.

وأحدنا يموت ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولانشورا. هنا يأتي الدين فيعطيك برد اليقين، وهو أمر أكبر من كونه عقلانيا برهانيا رياضيا، "ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين"

أما مشكلة الحزن والسعادة فقد نقل لي صديقي حسن الكردي عن رجل متدين قوله: لو خيرت بين الحزن والسعادة لاخترت الحزن، لأن الحزن يجعلني في معية الله لحاجتي اليه، ولكن السعادة تجعلني أنسى الله وأغفل عنه!

ولكن القرآن له فلسفة مختلفة فلم ينزل القرآن للشقاء بل قال الله سبحانه وتعالى " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى"

والسعادة فيض نفسي، والله يغير أوضاع الناس بتغيير رصيد ما بالنفوس وهي الأفكار.

والدين جاء شفاء لما في الصدور إذا أخذ بالجرعة المناسبة، فليس مثل التدين ملحا في الحياة، وليس مثل التعصب سما وتدميرا.

وهنا يمكن استخدام ملح الطعام مثلا للتدين، فالطعام يطيب برشة ملح، ولكن إذا ارتكبت ربة المنزل خطأ فوضعت كمية كبيرة من الملح في الأكل، لايبقى للمتعة، بل يعاف منه المرء ويهرب، وكذلك التدين..